وكتابُ "الرِّسالة" أوَّلُ كتابٍ أُلِّف في "أُصولِ الفِقْه"، بل هو أوَّلُ كتابٍ أُلِّفَ في "أصولِ الحَدِيثِ" أيْضًا.
قال الفخرُ الرَّازيّ في "مناقِب الشَّافِعِي": "كانوا قبْلَ الإمامِ الشافعيِّ يتكلَّمون في مسَائِلِ أُصُول الفِقْهِ، ويستدلُون ويَعْتَرِضُون، ولكنْ ما كان لَهُمْ قانونٌ كُلِّيٌّ مرجوعٌ إلَيْه في مَعْرِفَة دَلائلِ الشَّريعةِ، وفي كيفيَّة مُعَارضَاتِهَا وتَرْجِيحَاتِها، فاسْتَنْبط الشَّافعيُّ عِلْمَ أُصُول الفِقْهِ، ووضَع للخلْق قانونًا كلِّيًّا يُوْجَعِ إلَيْه في معرفة مراتِبِ أدلَّة الشَّرْع، فثَبَتَ أن نسبة الشَّافِعِي إلى عِلْمِ الشَّرْعِ كنسبة أرِسْطَاطالِيسَ إلى عِلْم العَقْل".
وقال بدرُ الدِّينِ الزركشيُّ في كتاب "البَحْرِ المُحِيطِ" في الأصُول: الشَّافعيُّ أولُ من صنَّف في أُصُول الفِقْه، صنَّف فيه كتاب "الرِّسالة"، وكتاب "أَحْكَام القُرْآن"، وكتاب "اختلاف الحديث"، وكتاب "إبطال الاسْتِحْسَان"، وكتاب "جِمَاع العِلْم" وكتاب "القياس".
وأقولُ: إن أبوابَ الكِتَاب ومسائِلَه، التي عَرَضَ الشَّافعيُّ فيها للكلامِ على حديثِ الواحدِ والحُجَّة فيه، وإلى شُرُوط صحَّة الحديث، وعَدالة الرُّواة، وردِّ الخَبَرِ المُرْسَل والمُنْقَطِع - هذه المسائلُ عِنْدي أدقُّ وأغْلَى ما كتَبَ العُلَمَاءُ فِي أُصُول الحَدِيث، بلْ إنَّ المتفقِّه في علوم الحديث يفْهَم أنَّ ما كُتِبَ بعْده إنَّما هُو فُروعٌ مِنْه، وعالَةٌ عَلَيْه، وأنَّه جَمَعَ ذلك، وصنَّفه على غَيْرِ مِثَالٍ سَبَق، لله أبُوهُ …
و"كتاب الرِّسالة" بل كتبُ الشافعيِّ أجمعُ كتبُ أدبٍ ولغةٍ وثقافةٍ، قبل أن تكون كتُبَ فِقْهٍ وأُصُولٍ، ذلك أن الشافعيَّ لم تَهْجُنْه عُجْمَةٌ، ولم تَدْخُل على لسانِه لُكْنَةٌ ولم تُحْفَظْ عليه لَحْنَةٌ أو سَقْطَةٌ.
قال عبد الملكِ بنُ هشامٍ النَّحْويُّ صاحبُ "السِّيرةِ": "طَالتْ مُجَالسَتُنا للشافعيِّ، فما سمِعْتُ منه لَحْنةً قط، ولا كلمةً غيْرُها أحْسَنَ مِنْهَا".
وقال أيْضًا:"جالَسْتُ الشافعيَّ زمانًا، فما سمعْتُه تكلَّم إلَّا إذا اعتبرها المعتَبِر، لا يجد كلمةً في العربيةِ أَحْسَن مِنها".
وقال أيْضًا:"الشافعيُّ كلامه لُغَةٌ يُحْتَجُّ بها".