للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأصحابِ التخريج (١) الذين عُنُوا بتفريعِ الأحكام، وتخريج الوَقَائِعِ والحَوَادِثِ على أصُولِ إمامِهِمْ.

ومنها في مَجَالِ المقارنَةِ بين المذاهب الفقهيَّة في الواقعة الواحدة. ترجيحُ أقْوى الآراء دليلًا وأوضَحِها نظرًا؛ لأنَّ المقارنة بيْن المذاهب المختلفة، إنما تكون بالوقوف على الأدلَّة التي استَنَدُوا إلَيْها في تَقْرِير الأحكام الشرعئة المختلفة، ثم الموازنة بَيْن تِلْك الأدلَّة، وترجيح الأقْوى مِنْها، ولا يُتوصَّل إلى ذلِك إلا بمعرفة القواعد الأصوليَّة.

ولقد صوَّر لنا العلَّامة الإسنَوِيُّ في "تمهيده" فضْلَه، فقال: فإن أصول الفقه عِلْمٌ عَظُم نَفْعُه وقدْرُه، وعلا شَرَفُه وفَخْرُه؛ إذْ هو مَثَارُ الأحكام الشرعيَّة، ومنار الفتاوى الفرعيَّة التي بها صلاحُ المكلَّفين مَعاشًا ومَعادًا، ثم إنَّه العُمْدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عَلَيْه من الموادِّ، كما نصَّ عليه الأئمَّةُ الفُضَلاء (٢).

وقال الغزاليُّ في "المُسْتَصْفَى": خَيْرُ العِلْم ما ازْدَوَجَ فيه العَقْلُ والسَّمْع، واصطَحَبَ فيه الرأْي والشَّرْع علمُ الفِقْهِ، وأصولُ الفِقْهِ من هذا القَبيل، فانَّه يأخُذُ مِنْ صفْوِ العقْلِ والشَّرْعِ سَوَاءَ السَّبِيل، فلا هُوَ تصرُّفٌ بمَحْضِ العُقُولِ، بحيث لا يتلقَاه الشَّرعُ بالقَبُول، ولا هو مبنيٌّ على التقليد الذي لا يشهَد له العَقْلُ بالتأييد والتَّسْديد، ولأجْل شَرَف عِلْم أُصُول الفِقْه، ورِفْعَتهِ، وفَّر الله دواعي الخَلْقِ على طَلبته، وكان العلماءُ به أرْفَعَ مكانًا وأجَلَّهم شَأنًا، وأكثَرَهُم أَتْباعًا وأعوانًا.

وقال إمام الحرَمَيْن في "المَدَارِك" (٣): والوجْهُ لكلِّ مُتَصَدٍّ للإقْلال بأعْباء الشريعة أن يجعل الإحاطَة بالأُصُول شَوْقَهُ الآكدَ، ويَنُصَّ مسائل الفقه عليها نصَّ مَنْ يحاول بإيرادها تهْذيبَ الأصولِ، ولا ينْزِفُ جمام الذِّهن في وضع الوقائع مع العِلْم بأنَّها لا تنحَصِر مع الذُّهول عن الأُصُول.

هذا، وبعد الانكفاف عن ذكر فوائد أصول الفقه وغايته والاستشهاد بقول العلماء لذلك ودحض الشبهة المفتراة عليه نلج من ذلك إلى الحديث عن مباحث دقيقةٍ هي أسس


(١) كالمزني والربيع، وابن القاص من الشافعية، وابن الحكم من المالكية، وأبي يوسف، ومحمد بن الحنفية.
(٢) التمهيد ص ٤٣.
(٣) ينظر: البحر المحيط ١/ ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>