النبيّ ﷺ"صلى داخل الكَعْبَةِ، فلا يعم الفرض والنفل"(١)؛ لأن الصلاة الواحدة يستحيل أن تقع فرضًا ونَفْلًا معًا.
فإِن قلت: قد قلتم: إِن تحيّة المسجد تحصل بصلاة الفرض، سواء أنواها مع الفرض أم سكت.
قلت: لا معنى لحصولها أنّ تلك الصَّلاة فرض ونفل معًا، وكيف وذلك مستحيل؛ لأن اجتماع الفرض والنفل مُحَال.
وإِنما نعني بذلك: إِما سقوط الأمر بالتَّحية؛ لحصول المقصود منها، وهو ألَّا ينتهك المسجد بالجلوس فيه من غير صَلاةٍ، كما يسقط الأمر في فرض الكفاية عمن لم يفعل.
وإِما حصول الثواب، وهذا فيما إِذا نواهما.
أما إِذا سكت عن التحية، فنازع فيه الشيخ الإِمام الوالد، وقال: كيف يثاب على ما لم يَنْوِ؟ ولا يشهد لفظ صلّى داخل الكعبة بإِثبات أكثر من صلاة.
- والثَّاني:"مثل" ما روي أنه ﷺ"صلّى" العشاء "بعد غيبوبة الشَّفق"، وهو لفظ لا أحفظه، فيحتمل أن يكون بعد غَيْبُوبَةِ الشفق الأحمر، أو الشفقين الأحمر والأبيض، "فلا يعم" صلاتين واقعتين بعد كلّ من "الشفقين"، ولا يلزم منه وقوعهما بعد البَيَاضِ "إِلا على رأيٍ" يذهب إِليه من يوجب حمل المشترك على معنييه، والعموم حينئذ وإِن ثبت له، فليس من حيث إِنه فعل، بل من دلالة اللَّفظ، ونحن إِنَّما ادّعينا عدم عموم الفِعْل من حيث إِنه فعل.
فإِن قلت: أنتم مَعَاشر الشَّافعية ترون حمل المشترك على معنييه، فلزمكم الحمل على الصَّلاة بعد غيبوبة الأبيض، وإِن لم يصحّ بعد غيبوبة الأحمر، وهو خلاف مذهبكم.
قلت: عُمْدَتنا الحديث المصرّح فيه بما يدلّ على الأحمر، وهو حديث عبد الله بن
(١) أخرجه مالك (١/ ٣٩٨) رقم (١٩٣)، والبخاري كتاب الصلاة: باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، ومسلم كتاب الحج: باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة بها (٣٨٨)، وأبو داود (٢٠٢٣)، والدارمي (٢/ ٥٣)، والنسائي (١/ ٢٢) من حديث ابن عمر، وأخرجه أحمد (٢/ ٥٠) مختصرًا بلفظ: صلى في البيت ركعتين.