قلت: والأرجح فيما ذكرناه من الفروع أنه يقع واحدة، بخلاف المعطوف عليه؛ جَرْيًا على أصلنا في تعليل المقدر.
ورأينا الأصحاب في بعض الفروع يقدرون الأول، فلعلّ ذلك للقرينة الدَّالة عليه في تلك المواضع لخصوصها، فيكون قد تعين، وقد قدمنا في مسألة المقتضى أنه إذا تعيّن تقدير شيء صير إليه بلا نزاع، سواء أكان عامًّا أم خاصًّا.
ويحتمل أن يقال: إن ذلك منهم ترجيح لتقدير الأول مطلقًا، ولكنه مخالف لما ذكروه في الأصُول، وهذا مثل ما قال ابن الحداد في "فروعه" في رجل أوصى لزيد بعشرة من ثلثه، ولعبد الله بعشرة ولخالد [بخمسة](١)، وقال: قدموا خالدًا على عبد الله، وكان الثلث عشرين، كان لزيد ثمانية، ولخالد خمسة؛ لتقدمه، ونعبد الله سبعة؛ لأن الوصية بخمس وعشرين، والثلث عشرون، فزادت الوصيّة على الثلث بخمس الوصية، فوجب أن ينقص كل واحد من الموصى له خُمُس ما أوصى به له، فيدفع إلى زيد ثمانية، وينقص درهمين، وهما خمس العشرة، ويدفع إلى خالد الخمسة، ولا ينقص شيئًا، ويدفع إلى عبد الله سبعة، والدَّراهم التي كانت يجب أن تنقص من وصية خالد تنقص من وصية عبد الله؛ لأنه قال: قدموا خالدًا على عبد الله، وذلك يقتضي توفير حصّة خالد ولا ينقص منها، وجعل النّقصان الذي كان يجب أن يلحقه في حصَّة عبد الله؛ لأنه لا فائدة في قوله: قدموا خالدًا على عبد الله إلَّا توفير حصّته.
وقد وافق الأصحاب ابن الحَدَّاد على هذا، وأنت تعلم أن قوله:"وقدموا خالدًا" لا يحتاج إلى تقدير ما يقدم به خالد، وقد قدّروا الخمسة المذكورة أولًا وجعلوه هكذا: وقدموا خالدًا على عبد الله بالخَمْسَةِ، وكان يمكن أن يقدر شيء، وكأنه قال: وقدموا خالدًا على عبد الله بشيء، ولو قدر كذلك لكان لخالد أربعة وشيء، ولعبد الله ثمانية إلا شيئًا، وبالله التوفيق.