لَنَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِينَ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾.
وَأَيْضًا: إِذَا امْتَنَعَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنونِ، فَالْمَعْدُومُ أَجْدَرُ.
قَالُوا: لَوْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطِبًا لَه، لَمْ يكُنْ مُرْسَلًا إِلَيْهِ، وَالثَّانِيَةُ اتِّفَاقٌ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لا يَتَعَيَّنُ الْخِطَابُ الشِّفَاهِيُّ، بَلْ لِبَعْضٍ شِفَاهًا، وَلبَعْضٍ بِنَصْبِ الْأَدِلَّةِ بِأَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ مَنْ شَافَهَهُمْ.
قَالُوا: الاِحْتِجَاجُ: بهِ دَلِيلُ التَّعْمِيمِ.
قُلْنَا: لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ حُكْمَهُ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ بِدَلِيلٍ آخَرَ؛ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.
إجماع، أو نص، أو قياس" يلحقهم به؛ "خلافًا للحنابلة".
الشرح: "لنا: القطع أنه لا يقال للمعدومين: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾ "؛ لأنه وقت كونه معدومًا ليس من الناس، فلا يتناوله اللفظ، "وأيضًا إذا امتنع في الصَّبي والمجنون" مع وجودهما "فالمعدوم أجدر".
لا يقال: كيف جوزتم خطاب المعدوم؟ لأنا نقول ذلك في أصل الجواز والتعلّق غير التَّنْجيزي، وهذا في التعلّق التنجيزي.
"قالوا" أولًا: "لو لم يكن" النبي ﷺ "مخاطبًا" له أي: للمعدوم "لم يكن مرسلًا إليه"؛ إذ لا معنى لإرساله إلا تبليغه الأحكام، ولا سبيل بذلك إلا بهذه العُمُومات، وهي لا تتناوله.
"والثانية" وهي المقدمة الاستثنائية "اتفاق".
ومن محاسن المصنّف استدلاله بالاتِّفاق على انتفاء اللَّازم، ولم يستدل بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [سورة سبأ: الآية ٢٨]، وإن كان غيره قد استدلّ به، وكذا: بعث إلى الأحمر والأسود؛ لأن لفظ الناس، والأحمر، والأسود، والجماعة يختص أيضًا بالموجودين وَقْت النّزول، ولا فرق بينه وبين ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾.
الشرح: "وأجيب بأنه لا يتعين الخطاب الشفاهي" في الإرسال، "بل" مطلق الخطاب كافٍ، ويكون "لبعضٍ شِفَاهًا" وهم الموجودون "ولبعض" وهم من بعده ﷺ "بنصب الأدلَّة" والنقل عنه ﷺ بأن حكمهم "كحكم من شافههم".
والحق أن ذلك معلوم من الدِّين بالضرورة، ومن كونه خاتم النبيين، ودائم الشرعة