أمّا المعاوضات التي يقصد منها التجر والربح فهو غير ممنوع منها فله أن يبيع ويشتري وله الكراء والاكتراء. وإنما منع من الأولى لأنها تبرعات لا نفع فيها للدائنين، وإنما فيها الإضرار بهم عن قصد أو عن غير قصد، ولم يمنع من الثانية، لأن المعنى لم يكن متحققًا بل ربما كان فيها ربح وكسب، فلو اتجر فربح أو باع ما يساوي عشرة باثنى عشر لم يكن ممنوعًا، ولذلك لو عاد تصرفه بطريق المعاوضة بضد هذا القرض كان ممنوعًا منه مثل أن يتخذ البيع أو الشراء ذريعة إلى التبرعات فيحابى فيما باع أو اشترى ولم تمنعه الشريعة من أداء ما وجب عليه أو ندب في حقه فعليه الإنفاق على زوجته وأبويه المعسرين الفقيرين وأولاده الصغار وله شراء أضحية ونفقة عيدين غير سرف في ذلك كله. وكذلك لم تمنعه من الإقرار بدين لمن لا يتهم عليه. وأمّا الثانية: فالمدين فيها ممنوع من كل تصرف كان فيه معاوضة أو لم يكن فليس له بيع ولا شراء ولا صدقة وما إلى ذلك. وهاتان الحالتان قد انفرد بهما المالكية من بين سائر الفقهاء. وذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي إلى أن المدين في هاتين الحالتين كسائر الناس يجوز له التصرف بمعاوضته وغير معاوضته. "والوجه لمالك" أن الحجر على المدين إنما كان لحق الغرماء وقد أحاط الدين بماله وقد يعود تصرفه في هاتين الحالتين بضرر عليهم، وهو ينافي المعنى الذي شرع الحجر من أجله. ولو أطلق للمدين هذا الحق، وكان كسائر الناس لاستطاع أن يأتي على كل ماله حتى إذا طلب الغرماء الحجر عليه من الحاكم لم يجدوا شيئًا، أو بعبارة أخرى لم يجد الحاكم شيئًا يحجر عليه فيه؛ فلذلك قالوا بمنعه على الوجه الذي أسلفنا والرسول ﵊ يقول: "لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ". "والوجه لغيرهم" أن الأصل في التصرفات أن تكون ماضية نافذة متى صدرت من أهلها في محالها ولا شيء يمنع من ذلك في الحالين، وليس في هاتين الحالتين مانع إلا إحاطة الدين أو قيام الغرماء ولا يصلح ذلك مانعًا، وما دام الشارع قد جعل الحجر من الحاكم، وهو لم يحكم فليس ذلك لأحد غيره من الغرماء. =