والجواب عن هذا الإيراد يتبين لنا من الوقوف على حقيقية التخصيص بالإجماع، وحقيقته أنه إن وقع التخصيص به فإنما يقع صورة فقط، وعند التحقيق إنما يكون لتضمن الإجماع نصًا مخصصًا، فعمل أهل الإجماع على خلاف النص العام يكون مبنيًّا على تضمنه النص المخصص، وكان إجماعهم إجماعًا على التخصيص به، ثم من أتى بعدهم يلزمه متابعتهم وإن لم يعرف المخصص، فمثلًا أوجبوا على العبد نصف الثمانين بالإجماع، ومستند الإجماع قوله تعالى: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ ولا فرق في ذلك بين العبد والأمة؛ لأن علة التنصيف هي الرق فحكم التنصيف ثابت للعبد إما بطريق مفهوم الموافقة المساوي، وإما بطريق القباس، وقد انعقد الإجماع على ذلك، فيستند الحكم للإجماع؛ لأنه قطعي فيغني عن مستنده؛ لأنه قد يكون ظنيًّا، وحينئذ فلا وجه للإيراد على الرأيين نعم بقيت الشبهة قائمة على الحنفية من جهة أنهم يشترطون المقارنة في المحخصص الأول اتفاقًا، وعلى أحد الرأيين في الثاني، ومستند الإجماع قد يكون متراخيًا، وقد يكون مقارنًا، وعلى كل حال فهو في الغالب غير معلوم، وحينئذ فكيف يشترطون لكون الدليل مخصصًا معرفة كونه مقارنًا مع تجويزهم التخصيص بالإجماع؟ أو كيف يجوزون التخصيص بالإجماع مع اشتراطهم المقارنة وغاية ما يفيده الإجماع هو التخصيص؟ أما أنه عن نص مقارن فلا. قاله شيخنا الشيخ فائد. وينظر: البحر المحيط ٣/ ٣٦٣، ونهاية السول للإسنوي ٢/ ٤٥٦، ومنهاج العقول للبدخشي ٢/ ١٦٦، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ٧٩، والتحصيل من المحصول للأرموي ١/ ٣٨٨، والآيات البينات لابن قاسم العبادي ٣/ ٦٥، والمعتمد لأبي الحسين ١/ ٢٥٦، وحاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ٢/ ١٥٠، وميزان الأصول ١/ ٤٧٣، ونشر البنود للشنقيطي ١/ ٢٥١. وينظر: المسودة ١٢٦، والعدة ٢/ ٥٧٨، وشرح العضد ٢/ ١٥٠. (١) أخرجه أبو داود ٤/ ١٦٤، كتاب الحدود. باب إذا تتابع الناس في شرب الخمر (٤٤٨٢) =