لما كان ظاهر الأمر الوجوب ومع ذلك حمله الشافعي في بعض المواضع كما في قوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [سورة الطلاق: الآية ٢] على الندب قياسًا، فقد قاس ولم يبال بظواهر الألفاظ، فلذلك يقيس ولا يبالي بعمومات الألفاظ؛ إذ ظاهرية العُمُوم في آحاده: إما دون ظاهرية الأمر في الوجوب أو مثلها، فإذا جاز العُدُول عن ظاهر الأمر للقياس جاز عن ظاهر العموم.
ثم قال الشيخ أبو حامد: وأما الكلام الذي تعلّق به ذلك القائل، فلم يقصد الشَّافعي منع التخصيص بالقياس، وإنما قصد أنه لا يجوز ترك الظاهر بالقياس، وذلك أنه ذكر هذا في مسألة النكاح بلا ولي، فروى حديث:"أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ".
ثم حكى عن أصحاب أبي حنيفة أنهم قالوا: العلّة في طلب الولي أنه يطلب الحظّ للمنكوحة، وبضعها في كفء، فإذا تولّت هي ذلك لم يحتج إلى الولي.
فقال الشَّافعي: هذا القياس غير جائز؛ لأنه يعمد إلى ظاهر الحديث ونصّه فيسقطه، فإن ما ذكروه يفضي إلى سقوط اعتبار الوَلِيّ، وذلك يسقط نصّ الخبر، واستعمال القياس هنا لا يجوز، وإنما يجوز حيث يخص العموم. انتهى معنى كلامه.
وحاصله: أن استنباط معنى من النص يعود عليه بالإبطال لا يجوز، وهو ما ذكره الشَافعي، وليس مراده تخصيص العموم بالقياس؛ فإن ذلك لا يبطل العموم، ثم الظَّن المستفاد من القياس أرجح، وإلا لم يخص.
فإن قلت: فما معنى قولكم: العموم؟
قلت: معناه أن للفظ العموم ظاهرًا، وهو الاستغراق، والقياس أظهر منه، فعدلنا إليه، ففي الحقيقة لم نعدل عن ظاهر إلَّا إلى أظهر منه، وقد قدمنا حكاية الشيخ أبي إسحاق عن نصّ الشَّافعي في مواضع أن التخصيص بالقياس جائز، فلا حاجة إلى التطويل.
وقد انتهى الكلام على العموم والخُصُوص، وهذا صنف آخر قريب منه يقال له:"المطلق والمقيد".