وأما الكافر فرقبته مطلقة مثل المؤمنة؛ لأن الكفر والإيمان ليسا من الأجزاء البينة، فلا يكون رقبة مطلقة.
فعلى هذا: لا يكون شرط السَّلامة زيادة على النَّص، بل يكون اعتبارها اعتبار ما يقتضيه النَّص.
وأما وصف الإيمان فلما كان سببًا وراء ما يقتضيه اسم الرقبة، فيكون زيادة محضة، وإذا كان زيادة لم يجز إثباته بالقياس؛ إذ لا تجوز الزيادة على النص بالقياس؛ إذ الزيادة نسخ، ونسخ القرآن لا يجوز؛ ولأن القياس إنما يجوز استعماله في غير مَوْضِعِ النص، وهذا استعمال للقياس في موضع النص؛ لأن كَفَّارة القتل منصوص عليها، وكَفَّارة الظِّهار منصوص، وقياس المنصوص على المنصوص باطل، كما لا يجوز قياس السَّرقة على قطع الطريق لإثبات قطع الرِّجْل مع اليد، وكذا قياس التيمُّم على الوضوء باطل في إدخال الرأس والرِّجْل في التيمم، وكذلك قياس كَفَّارة القتل على كفارة الطهار باطل في إثبات الإطعام، مثل الرقبة والصيام، يُبَيِّنُه: أن التقيد بالإيمان زيادة على حكم قد قصد استيفاؤه بالنص، فلم يجز كما لا يجوز في هذه الصورة التي بيناها.
وأجاب أصحابنا: بأن الرقبة وإن كانت اسْمًا للبينة بأجزائها، إلّا أن الإيمان والكفر وَصْفَان يَعْتَوِرَانهما، ويقال: مؤمنة وكافرة، كما يقال: سليمة ومَعيبة، وكما لا يتصور إلّا أن تكون سليمة أو معيبة؛ لأن السَّليمة هي ما لا عيب فيها، لا يتصوّر إلَّا أن تكون مؤمنة أو كافرة.
وقول الصَّيمري (١) من الحنفية: "إنَّ الإنسان يجوز ألا يعتقد الكفر ولا الإيمان فيخلو عنهما" هوس؛ لأنه إذا لم يعتقد الإيمان يكون كافرًا، فصار الإيمان والكفر كالعيب والسلامة، ثم إنا لا ندعي أنهما من الأجزاء البينة، وإنما ندعي كونهما وَصْفَيْن لهما،
(١) الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصيمري. ولد سنة ٣٥١ هـ. قاض فقيه، كان شيخ الحنفية بـ"بغداد" أصله من "صيمر" (من بلاد خوزستان) ولي قضاء "المدائن" ثم "ربع الكرخ" إلى أن مات بـ"بغداد" سنة ٤٣٦ هـ. من مصنفاته: "مناقب الإمام أبي حنيفة" و"مسائل الخلاف في أصول الفرق". ينظر: تاريخ بغداد ٨/ ٧٨، وتهذيب ابن عساكر ٤/ ٣٤٤، والجواهر المضيّة ١/ ٣١٤، والأعلام ٢/ ٢٤٥.