وأما من ذهب من المعتزلة إلى تعلق الحل والحرمة بالأعيان، فواضح أنه لا إجمال عنده، ولكنه قول باطل.
وعلى أصلنا نقول: اعلم أن الشَّيء يوصف بنفي أمر عنه، أو إثبات أمر له، وهذا الإثبات قد يعود إلى نفس الذَّات، أو صفة نفسية، أو صفة معنوية قائمة بالذات، أو صفة تعلق، لا يرجع شيء منها إلى الذَّات، وهذا يكشف حقائقه في علم الكلام.
وقد اختلف في الأحكام، هل تكتسب بها الذوات صفة أو لا؟.
فالجمهور: على أنها من صفات التعلّق؛ فإذا قيل هذا نجس، فليست النجاسة، ولا كونه نجسًا راجعًا إلى نفسه، ولا إلى صفة نفسية، أو معنوية للذات.
بل هي حالة الطَّهارة والنجاسة على حدّ سواء، لم يستفد هذا الحكم صفة زائدة قائمة بها لأجل الحكم.
ومعنى النجاسة: تعلّق قوله تعالى: إنها تجتنب في الصلاة، ونحو ذلك.
وكذا قولنا: شرب الخمر حَرَام، ليس المراد: تجرّعها، وحركات الشَّارب، وإنما التحريم راجع إلى تعلق قول الباري في النهي عن شربها، وكذا:"حرمت الميتة"، ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ﴾، وأمثال ذلك.
وقد أخبرناك أن صفات التعلق لا تقتضي إفادة وصف عائد إلى الذات، وهذا كمن علم زيدًا قاعدًا بين يديه، فإن علمه - وإن تعلّق بزيد - لم يغير من صفات زيد شيئًا، ولا حدث لزيد صفة لأجل تعلق العلم به.
وذهب من لا تحقيق عنده إلى استفادة الذَّوات من الأحكام فائدة، ورأوا أن التحريم والوجوب يرجع إلى ذات الفعل المحرم والواجب، وَقدَّروه وصفًا ذاتيًّا.
قال القاضي في "التقريب": واعتلوا لذلك بضرب من الجهل، وهو أنه لو توهم عدم الفعل لعدمت أحكامه بأسرها، فوجب أن يكون أحكامه هي هو.
قال: وهذا باطل؛ لأنه قول بوجب أن يكون جميع صفات الأجسام وأحكامها، وأقوالها، وأفعالها، هي هي؛ لأنه لو تصوّر عدم الجسم، لعدمت أحواله وأكوانه وجميع متصرفاته، فيجب أن يكون هو عبارة عن أفعاله، ولا يقول ذلك عاقل.