أنت حر كما لا يعمل حتى تتم الصيغة، فقوله: أنت حر لا يعمل حتى يحلّ محلًّا صالحًا للتحرير، فإِنه لو أضافه إِلى ميتة أو بهيمة لغا.
فقوله: إِن دخلت الدّار منع وصول هذا الإِيجاب إِلى العبد؛ لأنه تعلّق بالدخول، فلا يصل إِليه قبل وجوده، كالقِنْدِيلِ المعلّق بحبل لا يكون واصلًا إِلى الأرض، وإِذا لم يصل إِلى محله لم يصر قوله: أنت حر علّة، بل كان يعرض أنه يصير علّة بالوصول إِليه عند وجود الشرط، كالرّمي لا يكون سببًا للقتل قبل وقوع السهم في المرمى، ولكن يعرض أن يكون علَّة إِذا وصل إِلى محله.
وعرفهم في هذا أن الشرط يحول بين العلّة ومحلها، فلا يصير معه علَّة؛ لأنه داخل على أصل العلّة، لا على الحكم، بخلاف شرط الخِيَارِ والأجل، فإِنهما يدخلان على الحكم على ما ذكرنا.
ولهذا لو حلف ألَّا يبيع فَبَاعَ بأجل، أو شرط خيار حنث، ولو حلف لا يطلق فعلّق الطلاف لم يحنث.
قال: ولهذا جوزنا تعليق الطلاق بالملك؛ لأنّه ليس بطلاق؛ لأن ما كان معلقًا بالشرط غير واصل إِلى المرأة على ما ذكرنا، وإِنما هو يبين ويصير طلاقًا عند الشرط، فاعتبر الملك - حينئذٍ؛ لأن الملك - أعني ملك النكاح شرط الطلاق لا اليمين، ومحل اليمين هو الذمة مثل اليمين بالله.
قال: ولهذا الأصل لا يجوز تعجيل الكَفَّارة قبل الحنث؛ لأن اليمين سبب الكَفَّارة بشرط الحنث، فقبل الشرط لا يكون سببًا، ويكون ابتداء وجوب الكَفَّارة حين الحنث، فلا يتصور الأداء قبله، كما لا يتصوّر الأداء قبل اليمين، وكما لا يتصوّر تعجيل الصوم.
قال: وفرْقهم بالبدني والمالي ساقط؛ لأن الكَفَّارة عبادة، والعبادة عبارة عن فعل العبد ماليًّا كان أو بدنيًّا، وإِنما يختلف محلّ الفعل، فالمالي ما يكون محله المال، والبدني ما محلّ فعله البدن.
وأما الواجب ففعل من العبد في الحالين بإِيجاب الله تعالى.
قال: وهذا بخلاف دين العبد الذي يجب عوضًا؛ لأن الواجب هناك هو المال، والتسليم لنفس الواجب؛ لأن المستحقّ لصاحبه مال بإِزاء حقه، وليس المستحق لصاحبه