للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قلت: ووقفت على تفسيره وليس هو الجاحظ كما توهمه بعضهم، وإنما هو رجل من علماء المعتزلة.

[وأنا] (١) أقول: الإنصاف أن الخلاف بين أبي مسلم والجماعة لفظي، وذلك أن أبا مسلم يجعل ما كان مغيًا في علم الله - تعالى - كما هو مغيًا باللفظ، ويسمى الجميع تخصيصًا، ولا فرق عنده بين أن نقول: ﴿أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [سورة البقرة: الآية ١٨٧]، وأن يقول: صوموا مطلقًا، وعلمه محيط بأنه سينزل: لا تصوموا وقت الليل.

والجماعة يجعلون الأول تخلصيصًا، والثاني نسخًا.

ولو أنكر أبو مسلم النَّسْخ بهذا المعنى لزمه إنكار شريعة المصطفى ، وإنما يقول: كانت شريعة السَّابقين مغياة إلى مَبْعَثِهِ ، وبهذا يتضح لك الخلاف الذي حكاه بعضهم في أن هذه الشريعة مخصّصة للشرائع السابقة، أو ناسخة؟.

وهذا معنى الخلاف، وإياك أن يختلج في ضميرك أن ما أقر في هذه الشريعة على وفق ما كان قبل، باقٍ على حاله، وإذا كان البعض باقيًا يكون تخصيصًا، فليس شيء بِبَاقٍ، بل كُلُّ مشروع في شرعئا مفتتح التشريع غير منظور فيه إلى ما سبق، سواء أوافق أم خالف، وإنما معنى الخلاف ما ذكرناه.

وقد قال الشيخ الهندي: ليس من ضرورة القول بصحّة نبوة سيدنا محمد ، القول بصحّة النسخ حتى يلزم من أنكره إنكار النبوة، وذلك لاحتمال أن يقال: إن شرع الماضين كان مغيًا إلى ظهوره في اللفظ.

قلت: ولا حاجة إلى قوله: "في اللفظ" فقد يسميه منكره من المسلمين تخصيصًا، وإن لم يوجد في اللَّفظ كما قلناه، ويعود النزاع لفظيًّا كما قذمناه عن ابن السَّمْعَاني.

وما ادّعاه المصنّف من الإجماع على أن شريعتنا ناسخة صحيح، ولا ينافيه حكاية بعضهم الخلاف في أنها مخصصة أو ناسخة؛ لأن مرادنا بكونها ناسخة أن كلّ مأمور ومنهى في شرعنا مفتتح التَّشريع، وأنّ كلّ الشَّرَائع السابقة قد انتهى أمرها، والخلاف المحكى لفظي لا معنوي.


(١) في ت: وإنما.

<<  <  ج: ص:  >  >>