وكون التحريم لا يثبت إلا بخمس رضعات، هو مذهب إمامنا الشافعي ﵁ وبه قال من الصحابة سيدنا عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن مسعود، وأم المؤمنين عائشة ﵃، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، ومن الفقهاء أحمد، وإسحاق، وحكاه ابن القيم عن الليث بن سعد، رضوان الله - تعالى - عليهم أجمعين. وذهب أبو حنيفة ﵁ إلى أن التحريم يثبت برضعة واحدة، وبه قال من الصحابة سيدنا علي - كرم الله وجهه - وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، ومن الفقهاء مالك، والأوزاعي، والثوري - رضي الله تعالى عنهم -. وذهب داود الظاهري: إلى أنه يثبت التحريم بثلاث رضعات. وبه قال من الصحابة سيدنا زيد بن ثابت، ومن الفقهاء أبو ثور ﵃. احتج إِمَامُنَا الشَّافِعِيّ، ومن وافقه بما رواه الإمام مسلم - رضي الله تعالى عنه - قال: حَدَّثنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِل مِنَ الْقُرْآنِ عَشرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يحرمن، ثُمَّ نسخن بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رسول اللهِ ﷺ وَهُنَّ فِيمَا يقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ" وقد روى هذا الحديث أبو داود والنَّسَائي، والترمذي، وابن ماجة، وذكره الشافعي في مسنده فقال: "أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ صُيِّرْنَ إِلَى خَمْسِ يُحَرِّمْنَ، فَكَانَ لا يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ إلَّا مَنِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ". فهذه الرواية صريحة في إناطة التحريم بخمس رضعات، وأنها ناسخة لغيرها، وأن الأمر قد استقر على ذلك. فلو لم تكن هي مناط الحكم لما كانت ناسخة لغيرها، لكن التالي، وهو عدم كونها ناسخة لغيرها باطل، فبطلَ ما أدى إليه وهو عدم كونها مناط الحكم، فثبت نقيضه، وهو أنها مناطة وهو المطلوب، الملازمة ظاهرة؛ إذ لو نيط الحكم بغيرها، لكان هو الناسخ =