للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأما المنسوخ حكمه دون لفظه، فله حكم ما لم ينسخ بإجماع المسلمين.

والمانعون من جواز نسخ التلاوة دون الحكم وبالعكس "قالوا" أولًا: "التلاوة مع حكمها كالعلم مع العالميَّة والمنطوق مع المفهوم" من حيث إن أحدهما لا يتحقق بدون الآخر، فكذلك الحكم مع التلاوة، "فلا ينفكان".

"وأجيب: بمنع" ثبوت "العالمية والمفهوم"؛ إذ لا نسلّم أن العالمية مغايرة لقيام العلم بالذّوات، ولا الملازمة بين المنطوق والمفهوم ليصحّ التمثيل، وإنما منعناه؛ لأنه فرع ثبوت الأحوال، ولسنا ممن يثبت الأحوال.

"ولو سلم" التغاير والتلازم؛ "فالتلاوة أمارةُ الحكم ابتداء، لا دوامًا" أي: يدل ثبوت التلاوة على ثبوت الحكم، ولا يدل دوامه، فلا يلزم من انتفاء الأمارة في طرف الدوام انتفاء ما دلَّت عليه، "فإذا نسخ" كونه يتلى "لم ينتف المدلول".

"وكذلك العكس"، ولا يلزم من انتفاء الحكم لأمارة تدلّ عليه انتفاء تلك الأمارة لدالة عليه.

والحاصل: أنه إذا نسخت التلاوة وَحْدَها فهو نسخ لدوامها، ودوامها ليس هو الدَّليل، وإذا نسخ الحكم وحده فهو نَسْخ للدوام، وهو غير مَدْلُول، فلا يلزم انفكاك الدَّليل


= وأما السنة: فمنها قوله "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاع مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ" فأطلق ولم يقيد بعدد.
ومنها قوله "الرَّضَاعَةُ مِنَ المَجَاعَةِ" ولا شكَ أن الرضعة الواحدة تسد الجوعة.
ومنها: ما ثبت في الصحيحين عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت امرأة سوداء فقالت: قد أرضعتكما. قال: فذكرت ذلك لرسول الله فأعرض عني، قال: فتنحيت، فذكرت ذلك له، فقال: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتكُمَا" فنهاه عنها، رواه أحمد، والبخاري، وفي رواية "دَعْهَا عَنْكَ"، فلو لم يكن مطلق الرضاع محرمًا لسأله عن العدد، ولكنه قد أمره بتركها بادئ الأمر.
وأما القياس: فأفراده كثيرة. فمنها: قياسه على الوطء بشبهة وعقد النكاح بجامع أن كلًا يفيد التحريم المؤبد، فيعطي حكمه من عدم اعتبار العدد؛ ومنها: القياس على الإفطار في رمضان بجامع الوصول إلى الجوف، فيعطي حكمه؛ ومنها: القياس على حد الخمر بجامع أن كلًا متعلق بالشرب، فلا يناط بالعدد.

<<  <  ج: ص:  >  >>