عَلِيٍّ - كرَّم اللَّهُ وجهه - قال لعمر ﵁ حين شَاورَ في الجَدِّ مع الإخوة أنه قال: أرأيت يا أميرَ المؤمنين لو أن شجَرَةً نَبَتَتْ فَانْشَعَبَ منها غصن، فانشعب من الغصن غصنان أيهما أقرب من أحد الغصنين أصاحبه الذي خرج منه أم الشجرة؟.
وقال زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لو أن جَدْولًا انبعث منه ساقية، ثم انبعث من السَّاقِيَة ساقيتان أَيُّهُما أَقْرَبُ إحدى الساقيتين إلى صاحِبَتِهَا أَمِ الجَدْوَل، ومقصودهما بذلك توريث الأَخِ مع الجَدِّ قِياسًا على توريث العصباتِ الأخيرين بجامع القُرْبِ في القَرَابةِ والشَّجَرَة والجَدْوَل تمثيل لِقُرْبِ القَرَابَةِ.
وذهب عُمَرُ ﵁ إلى أَنَّ الجَدَّ أولى بالمِيرَاثِ من الإخْوَةِ، ويقول: واللهِ لو أنِّي قضيته الْيَوْمَ لبعضهم لقضيت به لِلْجَدِّ كله، وَلكِنْ لَعَلِّي لا أُخَيِّب منهم أحدًا، ولَعَلَّهُمْ أن يكونوا كُلُّهُم ذوي حق، فَرَجَعَ إلى هذا الْقِيَاسِ وَوَرَّثَهُم مع الجَدِّ، فيكون توريثهم مع الجَدِّ قياسًا.
يتضح مما تقدم أن الصحابَةَ - رضي الله تعالى عنهم - قَاسُوا الوقائِعَ والأحداث بنظائرها وشَبَّهُوهَا بِأَمْثَالِهَا وَرَدُّوا بعضها إلى بعض في أحكامها، وبذلك فَتَحُوا للعلماءِ باب الاجتهاد، ونَهَجُوا لهم طريقه وبينوا لهم سبيله.
وهل يَشُكُّ عاقلٌ في أن النبيّ ﷺ لما قال:"لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ". إنَّما كان ذلك؛ لأن الغضب يُشَوِّشُ عليه فكره، ويمنعه من كمال الفَهْمِ والإدْرَاكِ ويحولُ بينه وبين استيفاءِ النَّظَرِ والتَّحقيق، وَيُعْمِي عَلَيْهِ طريقَ العلمِ وَالْقَصْدِ، فَإِذَا وجد هذا المعنى في فرد آخر يكون داخلًا في النَّهْى بِالقِيَاسِ وذلك كالهم المزعج، والخوف المقلق والجوع والظمأ الشديدين، وشغل القلب المانع من الفهم، فمن قَصَرَ النَّهْيَ على الغضب دون غيره من كل ما يوجد فيه المعنى الذي لأجله النهي، فقد قَلَّ فَهْمُهُ وَفِقْهُه، وفاته أن التَّعْوِيلَ في الأحكام على قصد المتكلم، والألفاظ لم تقصد لنفسها، وإنَّما هي مقصودة للمعاني، والتوصل بها إلى مَرَادِ المُتكَلِّمِ، فالحديث دَلَّ على الغضب، وليس هو المقصود بالذات وحده حتى لا يلحق به غيره، بل كل ما وجد فيه العلة التي نهي عن الغضب لأجلها كان ملحقًا بِهِ.