للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المنهاج" (١).

وذكره القاضي عبد الوَهَّاب في "الملّخص"، وابن السَّمعاني وقال: دليل الخطاب


= إنَّمَا المَاءُ مِنَ المَاءِ" فإن مفهومه، وهو عدم وجوب الغسل عند عدم الإنزال نسخ بقوله : "إِذَا الْتَقَى الْختَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ" وبقي أصله، وهو وجوب الغسل من الإنزال؛ فإن مفهوم الحديث الأول عدم وجوب الغسل من غير إنزال، وإن التقى الختانان.
والحديث الثاني يدل بمنطوقه على وجوب الغسل بالماء الختانين، وإن لم يكن إنزال، فهو معارض لمفهوم الأول وآت بعده، فكان ناسخًا لهذا المفهوم، وأما منطوقه، وهو وجوب الغسل من الإنزال فباقٍ لم يطرأ عليه نسخ، ولا تبديل؛ فثبت بهذا نسخ المفهوم مع بقاء أصله.
وأما نسخ الأصل بدونه، أي: مع بقاء مفهوم المخالفة، فاختلف فيه على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز، واختاره الصفي الهندي وصاحب "جمع الجوام"؛ لأنه تابع له، فيرتفع بارتفاعه، ولا يرتفع الأصل لارتفاع المفهوم.
هذا ما قالوه في توجيه القول بالمنع، وفيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن المفهوم تابع للمنطوق في الدلالة. أي: من حيث دلالة اللفظ عليه معه لا من حيث ذاته، حتى يلزم من ارتفاع المنطوق ارتفاع المفهوم، ودلالة اللفظ على المنطوق باقية لم ترتفع، وإن ارتفع الحكم بدليل منفصل؛ فإن دلالة اللفظ لا تزول بنسخ حكمه.
فإن أجاب المستدل عن ذلك: بأنه إذا ارتفع تعلق حكم المنطوق سقط اعتبار دلالة اللفظ عليه، فسقط ما يترتب على اعتبارها من فهم الحكم في محل السكوت.
قلنا: لا نسلم سقوط اعتبار الدلالة بارتفاع تعلق الحكم، بل يجوز أن تبقى مع ذلك معتبرة؛ لإفادة حكم المفهوم.
ثانيهما: أن ما ذكرتم يجري في نسخ الأصل بدون الفحوى، فيقال فيه: الفحوى تابع لأصله، فيرتفع بارتفاعه، وإلا لم يكن تابعًا له، مع أنكم قلتم بجواز نسخ الأصل مع بقاء الفحوى، فظهر أن هذا الذي تمسك به المانع لم يتم له.
القول الثاني: أنه يجوز؛ لأنهما حكمان غير متلازمين في الثبوت فضلًا عن تغايرهما في الحقيقة، فلا يلزم من ارتفاع أحدهما ارتفاع الآخر، فالحق أن مفهوم المخالفة كمفهوم الموافقة في جواز نسخ الأصل دون المفهوم وبالعكس. هذا حاصل القول في بيان مذاهب العلماء وأدلتهم في نسخ المفهوم موافقًا كان، أو مخالفًا بدون أصله، وبالعكىس، وقد بان لك أن القول الراجح الذي تم دليله، وسلم عن المعارضة بدفع ما ورد عليه، ورد دليل مقابله هو القول بجواز نسخ المفهوم دون الأصل، وبالعكس.
(١) ينظر: الإبهاج ٢/ ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>