ومنهم من عكس، وخرج مسألة النسخ على مسألة الوَكَالَةِ كما نقلناه عن "مختصر التقريب"، وإليه أشار القاضي في "التقريب".
قال الرافعي: ولا فرق بين النسخ وما نحن فيه؛ لأن حكم النسخ إما إيجاب امتثال الأمر الثاني، وإما إخراج الأول عن الاعتداد به، فالإيجاب لا يثبت قبل العلم؛ لاستحالة التكليف بغير المَعْلُوم، وهذا النوع لا يثبت في الوَكَالَةِ؛ لأن أمر الموكل غير واجب الامتثال، والنوع الثاني: ثابت هناك أيضًا قبل العلم حتى يلزمه القضاء، ولا تبرأ ذمته بالأول.
قال أبي ﵀: وهذا الذي قاله الرافعي من لزوم القضاء في النسخ بعيد؛ لأن أهل "قباء" أتاهم الخبر بنسخ القِبْلَةِ وهم في الصلاة فاستداروا، ولو ثبت الحكم في حقهم قبل ذلك لقضوا.
وقد استشهد هو في باب "استقبال القِبْلَةِ" بقضية أهل "قباء" على أنه ينحرف في أثناء الصلاة إلى جهة الصَّواب، إذا قلنا: لا يجب القضاء.
والذي قاله في "استقبال القِبْلَةِ" هو ما عليه جمهور الأصوليين.
بخلاف ما ذكروه في الوِكَالَةِ فإنه لا يتأتى إلا على القول المرجوح: أن الحكم يثبت في حقه، ولو لم يبلغه الخبر لكنه لا يأثم؛ لأنه معذور.
فإن قلت: فما الفارق بينه وبين الوكيل حيث ينعزل على الصحيح وإن لم يبلغه الخبر؟
قلت: فرّق أبي ﵀ بأن الاعتداد بالعبادة حق الله تعالى، والله - تعالى - قد شرط العلم في الأحكام؛ بدليل أنه لا يقع منه التكليف بالمستحيل، والعقود حق الموكّل، فلم يشترط العلم.
فإن قلت: إنما [شرط](١) الرب - تعالى - العلم في خِطَابِ التكليف لا في خطاب الوضع، والاعتدادُ بالعبادة من خطاب الوضع.