للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإن قلت: ليس الباعث بهذا التفسير، بل المشتمل على حكمة مقصودة للشارع من شرع الحكم.

قلت: قولك: مقصود للشَّارع من شرع الحكم، معناه: أنه لأجلها شرعه، وهذا هو الباعث والداعي.

وحاصله أنك تقول: إن الرب - تعالى - حرم الخَمْر - مثلًا - لأجل الإِسكار، وذلك هو الفعل لغرض الذي تَنزَّه الباري - تعالى - عنه؛ لأن من فعل فعلًا لغرض لا بد أن يكون حصول ذلك الغرض بالنسبة إليه أولى من لا حصوله، وإلا لم يكن غرضًا، وإذا كان أولى، اكتسب به فاعله صفة مَدْح، ويكون حصول تلك الأولوية لله - تعالى - متوقفةً على الغَيْرِ، فتكون ممكنة غير واجبة، فيكون كماله - تعالى - ممكنًا غير واجب، وهو باطل.

لا يقال: حصول ذلك الغرض، ولا حصوله مستويان بالنِّسبة إلى الله - تعالى - ولكن متفاوتان بالنسبة إِلى العبد، فيفعله - تعالى - لا بغرضه، بل لغرضهم؛ لأنا نقول: فعله لذلك الفِعْلِ ليحصل غرضهم، إِن كان أولى من لا فعله، جاء حديث الاستكمال، وإن لم يكن فتحصيل الغرض إِن كان لتحصيل غرض آخر لهم، كان الكلام فيه كالأول، وتسلسل.

فالحق الأَبْلَجُ ما عليه سلف هذه الأمة: من أن أحكام الله - تعالى - لا تعلل.

فإن قلت: فقد اشتهر قول الفقهاء: علّة الحكم الفلاني كذا، أو الباعث على كذا وكذا، فما الجامع بينه وبين قول المتكلّمين بعدم التعليل؟.

قلت: لم يعن الفقهاء بالعلّة، المؤثر، كما عناه المعتزلة، ولا الباعث على التشريع، كما عناه الآمدي، وإنما عنوا أن العلّة باعثة للمكلّف على الامتثال، فحفظ النفوس يبعث [المكلف] (١) على فعل القِصَاص، الذي حكم به الله - تعالى - لباعث (٢) بعثه فيه. نبه عليه الشيخ الإمام الوالد تغمّده الله برحمته.


(١) في ب: المكلفين.
(٢) في أ، ب: الباعث.

<<  <  ج: ص:  >  >>