الفَارضُ تعيين هذا الطّرف، وتخصيص بالكلام المختص به، وقد اجتمع فيه الإِتْلافُ والتَّلَفُ تحت اليد العادية، وهذا أقرب مسلك في تخييل اجتماع معنيين بحكمٍ واحدٍ، ونحن نَقُولُ: العلَّةُ فِي الضَّمَانِ تَحْتَ الإتلاف في هذه الصورة فحسب، فإن التلف الحاصل تحت اليد العادية إِنَّمَا يُضَمَّنُ من جهة اعتداء ذي اليَدِ ومنعه لحق مستحقه. فثار، الضَّيَاع الَّذِي وقع سماويًّا في اطراد معنى المعتدي مشبهًا بالإتلاف، وإِذا تحقَّقَ الإتلافُ لم يبق لتخيل التَّلَفِ على دوام المنع المشبه بالإتلاف معنى، والإِتلافُ هو المُشَبَّهُ به، واعتقاد اجتماع المشبه والمشبَّهِ به في صورة واحدةٍ مُحَالٌ. "انتهى". وحاصل المِثَالِ أَنَّ الإتلاف مضمن، والتَّلف أيضًا عند أصحابنا مضمن إِذَا كان تحت اليد العادية، وإذا كان كُل منهما سببًا مستقلًا في الضَّمانِ، فقد يجتمعان في صورة الإتلاف؛ إِذْ كُلُّ متلف تالف، فيعلل المتلف بعلتين: خاصة، وهي الإتلاف، وعامة هي التلف تحت اليد العادية، والجواب عن هذا من وجه: أحدها أنَّا لا نُسَلِّمُ أْنَ كُل متلف تالف؛ وذلك لأنَّ المفهوم من التَلَفِ أَنّهُ هلك بنفسه من غير جناية جانٍ، والمفهومُ من الإتلاف أَنَّهُ هلك بجناية جانٍ فكيف يصحُّ اجتماعهما؟ وهذا الجواب ذكره ابنُ الأنْبَارِيَّ، وقد ينازعُ فيه، ويقال: التَّلَفُ مطاوع الإِتْلَافِ، وهو من حيثُ هو أعمُّ من أَنْ يهلَك بنفسه، أو في ضمن الإتلاف من الجَانِي، وثانيها: أنَّا نَقُولُ: الإِتْلَاف والتلفُ هنا جزاء علَّةٍ كما سبق نظيره.
وثالثها، وهو المعتمدُ: ما ذكره الإمام، وحاصله: أَنَّ التضْمِينَ بالإِتلافِ أَمْرٌ مناسب لائحُ الظُّهُورِ، فَمَنْ أَقْدَمَ على إِتْلافِ شيْءٍ كان تغريمه مناسبًا، وأَمَّا التَّلَفُ الَّذِي يقع بآفة سماويّةٍ، فلا يظهر فيه هذه المناسبة، ولذلك لا يستقلُّ التَّلَفُ بالتَّضْمِينِ، بل إِنَّمَا يضمن إذا كانت تحت يد عاديةٍ، فصحابنا يضمنون مَنْ تلف الشيْءُ تحت يده إذا كانت يدُهُ يَدَ عدوانٍ لما عرف من موضعه، لا لأنَّ موضع التَّلَفِ يقتضي ذلك، بل بضمِيمَةِ العدوان، والسَّبَبُ الدَّاعي لهم إلى ذلك منه الظَّالمينَ من الاعتداء والاستيلاء على الأموال، فإِذَا حصل معنى مناسب مستقلٌّ جاز على مناهج القِيَاسِ، وهو الإِتْلاف، فالإِحَالَةُ عليه لا على التَّلَفِ، فالتَّلَفِ لا يصلح للعلِّيةِ إِلَّا إِذَا لم يكن ثمَّ إتلاف، أَمَّا إذا كان فهو العِلَّة، وقد زاد الإِمَامُ هذا تحقيقًا فَقَالَ: إِنَّا إنما