بـ "المعارض" هنا: أن يقابل وصف المستدلّ بوصفٍ آخَرَ صالح للعلّية لا ينافيه، كما لو قيل: الزَّبيب مطعوم، فيكون ربويًا، قياسًا على البُرّ، فيعارض الخَصْم علة الطعم بعلّة الكيل، فهي صالحة لمُجَامعتها فيما فيه النزاع؛ إِذ الزبيب مطعوم مَكِيلٌ، فنفي هذا المعارض عند المصنّف وسائر من يجوز [التعليل](١) بعلتين لا يشترط.
أما مَنْ لا يجوز التعليل بعلَّتين - وأنا من أشدّهم تصميمًا في ذلك - فيشترط، ويقول: لا بدّ للمستدلّ من نفي ما عدا الوصف المدعي علة بطريقة السَّبر والتقسيم، وهذا ما ارْتَضَاه إمام الحرمين، وبالغ ابن السَّمْعَاني في الرد عليه، وسبب ذلك اختلافهما في جواز التَّعْليل بعلَّتين، فابن السَّمْعَاني يجوز ذلك، والإِمام يمنعه، ومع المنع لا معنى للرّد؛ إِذ لا يتّجه سوى الاشتراط، والإِمام صَرّح بالبناء، فلا وجه للرد عليه حينئذ.
فإن قلت: ولم حمل المعارض - هنا - على ما لا ينافى، وهو خلاف ظاهر المعارض؟.
قلت: جمعًا بين كلامه السابق، حيث قال: وألَّا يكون بمعارض، وهنا، وأيضًا فمن منع التعليل بعلَّتين يراه معارضًا منافيًا؛ إذ لا يصحّ عنده التعلّق بوصفين، فتسميته معارضًا - عنده - تسمية حقيقية، وقد صرح إِمام الحرمين ببناء هذا على التَّعْليل بعلتين، وكذلك الآمدي، كما عرفت.
وإذا نظرت كلامنا - هنا - وفي قوله: وألَّا يكون بمعارض، نَظَرَ المنصفين، عرفت أنه الحق المبين، وإن كان مخالفًا لكلام الشَّارحين، وأنا حملنا المُعَارضة على حقيقتها في الموضعين، أما هناك فواضح، وأما هنا، فبالنِّسْبة إلى مانع التعليل بعلتين.
"وإذا كانت" العلّة لانتفاء الحكم، "وجود مانع" كعدم وجوب القِصَاصِ على الأب؛ لمانع الأبوة، "أو انتفاء شرط"، كعدم وجوب الرَّجْم؛ لعدم الإِحْصَان الذي هو شرط وجوب الرجم، "لم يلزم وجود المقتضي"، وهو اختيار الإِمام في "المَحْصول" وأتباعه؛ خلافًا للآمدي. وتعليل الحكم العَدَمِيّ بالوصف الوجودي يسمى تعليلًا بالمانع.