للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قلت: لا يصح، ولكن ليس لما يتوهّمون من نفي القياس في الحدود والكَفَّارات، بل لأنه لا طريق توصل - هنا - إِلى فهم العلّة، ولو صحّ لنا معنى في ذلك، لما تحاشينا من التعلُّق به، فافهم هذا، واجمع به بَيْنه وبين قول المصنف فيما سبق: إن من شرط الأصل ألَّا يكون معدولًا به عن سنن القياس، كمقادير الحدود والكفارات.

واعلم أن نفس مقادير الحدود والكَفّارات لا يفهم فيها معنى، فكيف يصح القياس فيها؟

وهذا بخلاف أصل الحدود، فنحن إِنما نمنع القياس حيث لا يعقل المعنى، وذلك في مقادير الحدود، والكَفَّارات لا أصلها.

وإذا عُرِفَ هذا، فاعلم أن أئمتنا قالوا: من الأحكام ما يعلّل جملة وتفصيلًا، وهو كل ما يمكن إِبداء معنى في أصله وفرعه، وما يعلل جملة دون تفاصيله؛ لعدم اطّراد التعليل في التفاصيل، وما يعلل تفاصيله دون جملته، كالكتابة والإجارة، وفروع تحمل العَاقِلَة، فلا يظنن الظَّان أن إِلحاقنا [الكتابة] (١) الفاسدة - مثلا - بالصحيحة حَيْد عن سنن الصواب، متعلقًا بأن الكتابة غير معقولة المعنى، فكيف يقاس فيها؟.

فإنا إِنما قسنا في تفاصيلها المعقولة دون جملتها، وتحقيق هذا يظهر في موضعه من الخلافيات، وله في "شرحنا الكبير" بَسْط تام، وما لا يجري التعليل في جُمْلته ولا تفاصيله، كالصَّلاة وما تشتمل عليه من قيام، وسجود، وركوع، وقعود، وربما يدخل في هذا القسم الزكوات، ومقادير الأنْصِبَةِ والأَوْقَاص.

وكذلك قيل: لا مَجَال للقياس في الأحداث وتفاصيلها، والوضوء وتفاصيله.

وقيل: بل الوضوء معقول المعنى، ولسنا - هنا - لتحقيق ذلك، وغرضنا أن هذه الأقسام الأربعة واقعة في الشريعة، وانفصال ما يعلل مما لا يعلل تفصيلًا عسر جدًّا، وفيه تَلاطُم أمواج الآراء، وافتراق أنْظَار العلماء.


(١) في أ، ت: الكفارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>