يكون أولى بثبوت الحكم، مثال رُجْحَان ضابط الفرع على ضابط الأصل، "كما لو كان أصله؛ أي: أصل القياس "المغرى للحيوان" بأن يقول المستدلّ: تسببوا بالشهادة إلى القتل، فوجب القصاص زجرًا عن التسبُّب، قياسًا على وجوب القِصَاص على من أغرى حيوانًا على آدَمِيّ، بأن طرحه في زرِيبَةٍ فيها سَبُع، فإن إفضاء ضابط الفرع إلى المقصود أرجح من إفضاء ضابط الأصل إليه؛ "فإن انبعاث الأولياء على القتل" بسبب الشهادة "طلبًا" منهم "للتَّشَفِّي"، والأخذ بِثَأْرِ المقتول "أغلب من انْبِعَاثِ الحيوان بالإغْرَاء" على القتل "بسبب نَفْرته" من الآدمي، "وعدم علمه" بالإغراء.
وأما من أغرى كَالمُكْرَه - بفتح الراء - فعلمه بأنه إن لم يقتل قتل، يغريه على الإقدام طلبًا لخلاص نفسه، وبالجملة تبين تساوي الإفضائين، أو غلبة إفضاء الفرع، "ولا يضر اختلاف أصلي التسبُّب"، وهو كون أحدهما شهادة، والآخر إكراهًا، أو إغراء؛ "فإنه" أي: فإن اختلاف أصل التسبُّب في الحقيقة "اختلاف فرع وأصل".
وحاصله: قياس التسبب بالشهادة عليه بالإغراء والإكراه، والأصل لا بُدّ من مخالفته للفرع، ثم لا تضرّ تلك المُخَالفة، "كما يقاس الإرث في طَلَاق المريض" مرض الموت زوجته طلاقًا بائنًا "على" حرمان "القاتل الإرث" بجامع الغرض الفاسد؛ مُعَاملة لكل منهما بنقيض مقصوده، فإنه قياس سالم عن الاعتراض باختلاف الضَّابط، مع أن الأصل عدم الإرث، والفرع الإرث، ولم يضرّ الاختلاف، نعم يضر هذا القياس أنه - كما قدم المصنّف - من الغريب المرسل الأصل، ولكن ردّه بذلك لا يدفع صحة التمثيل به هنا.
"ولا يفيد" المستدلّ أن يقول في الجواب: "إن التفاوت فيهما"؛ أي: بين ضابط الأصل والفرع "ملغى" مراعاة "لحفظ النّفس، كما ألغي التفاوت بين قطع الأَنْمُلَة" إذا سَرَتْ إلى النفس، "وقطع الرقبة" في وجوب القِصَاصِ لحفظ النفس، وإن كان قطع الرقبة أشدّ إفضاء إلى الموت من قطع الأَنْمُلَةِ، وإنما لم يفده ذلك؛ لأنَّهُ لا يلزم من إلغاء تفاوت القاتل إلغاء كل تفاوت، "فإنه لم يلزم من إلغاء" وصف "العالم" بدليل قتله بالجاهل "إلغاء الحر"؛ إذ لا يقتل الحر بالعبد، ولا إلغاء وصف الإسلام بدليل أنه لا يقتل مؤمن بكافر.