ويبقى النظر في المصالح التي لم يقم دليل معين على رعايتها أو على إلغائها، وهذه هي التي تسمي المصالح المرسلة، وقد اعتد بهذه المصالح كثير من الفقهاء، وبنوا بعض الفتاوى على رعايتها، والجاري على بعض الألسنة والأقلام أنها أصل من أصول المذهب المالكي، والواقع أن لها يدًا في سائر المذاهب المعول عليها، وللمالكية القسط الأوفر في استثمارها، قال ابن دقيق العيد: الذي لا شك فيه أن لمالك ترجيحًا على غيره من الفقهاء في هذا النوع، ويليه أحمد بن حنبل، ولا يكاد يخلو غيرهما عن اعتباره في الجملة، ولكن لهذين ترجيح في استعماله. وقال البغدادي في "جنة الناظر": لا تظهر مخالفة الشافعي لمالك في المصالح؛ فإن مالكًا يقول: إن المجتهد إذا استقرأ موارد الشرع ومصادره، أفضى نظره إلى العلم برعاية المصالح في جزئياته وكلياته، وأن لا مصلحة إلا وهي معتبرة في جنسها، لكنه استثنى من هذه القاعدة كل مصلحة صادمها أصل من أصول الشريعة، وما حكاه أصحاب الشافعي عن الشافعي لا يعدو هذه المقالة. ولهذه القاعدة أمثلة مسوقة في كتب الأصول من فتاوى السلف وأقضيتهم.