والأكثر أثبتوا ذلك، واحتج "المثبت" للتجزؤ أولًا بأنه "لو لم يتجزأ لعلم الجميع"، واللازم منتفٍ؛ إذ لم يحط أحد من المجتهدين علمًا بجميع أحكام الله تعالى، "وقد سئل مالك"، وهو من أكابرهم "عن أربعين مسألة، فقال في ستّ وثلاثين منها: لا أدري، وأجيب" بأن العلم بجميع المآخذ لا يوجب العلم بجميع الأحكام، بل قد يجهل البعض "بتعارض الأدلة" فيه، "وبالعجز عن المبالغة" في النظر "في الحال" إما لمانع يشوش الفكر، أو لاستدعائه زمانًا طويلًا، "قالوا" ثانيًا: "إذا اطلعت على أمارات مسألة، فهو وغيره سواء" فيها، وكونه لا يعلم أمارات غيرها لَا مَدْخَلَ له فيها، فيكون حكمه فيها حكم غيره.
"وأجيب: بأنه قد يكون ما لم يعلمه متعلقًا" بما علمه وهذا احتمال يقوى عند من لم يحط بجميع المآخذ، ولا ينتهض عند من أحاط بها، فليسا سواء، قال "النافي" للتجزؤ: "كل ما يقدر جهله يجوز تعلّقه بالحكم المفروض".
ولا يحصل له ظن عدم المانع من مقتضى ما يعلمه من الدليل.
"وأجيب: الفرض حصول الجميع" جميع ما هو أمارة في تلك المسألة "في ظنه" إما بتلقيه له "عن مجتهد، أو بعد تحرير الأئمة للأمارات"، وضم كل إلى جنسه، فما ذكرتم من الاحتمال لا يقدح إذن في ظنّ الحكم، فيجب عليه العمل به، ولقائل أن يقول: قولك: "الفرض حصول الجميع في ظنّه" يرد قولك قبله: قد يكون ما لم يعلمه متعلقًا بما علمه.
= والإبهاج لابن السبكي ٣/ ٢٤٦، والآيات البينات لابن قاسم العبادي ٤/ ٢٤٢، وحاشية العطار على جمع الجوامع ٢/ ٤٢٠، وإحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي ص ٦٠٧، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ٤/ ٥٢٥، وتيسير التحرير لأمير بادشاه ٤/ ١٧٨، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج ٣/ ٢٩١، وميزان الأصول للسمرقندي ٢/ ١٠٤٨، وحاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ٢/ ٢٨٩، وشرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ٢/ ١١٧، وحاشية نسمات الأسحار لابن عابدين ص ٢٢٥، والوجيز للكراماستي ص ٨٤، والموافقات للشاطبي ٤/ ٨٩، وتقريب الوصول لابن جُزَيّ ص ١٩١، وإرشاد الفحول للشوكاني ص ٢٥٠، وشرح مختصر المنار للكوراني ص ١٠٥، ونشر البنود ٢/ ٣٩، والكوكب المنير للفتوحي ص ٦٠٦.