والشارع قصد المصالح، "وأجيب: بأن الكلام في الجواز" لا الوقوع، وما ذكرتم لا يمنع الجواز.
"ولو سلم" فلا يسلم انتفاء المصالح، بل نقول: إذا فوض إلى العبد، فقد "لزمت المصالح"، فلا يقع منه إلا المصلحة.
"وإن جهلها"؛ لأن الله - تعالى - لا يفوض إليه إلا وقد علم أنه لا يختار إلا الأصلح، وإذا علم ذلك كان هو الواقع، وأما الذين مذهبهم "الوقوع"، فإنهم "قالوا" قوله تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ "إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ " يقتضي وقوع التفويض؛ فإنه لا يمكن تحريمه على نفسه إلا بتفويض الأمر إليه، وإلا كان المحرم هو الله تعالى "وأجيب: بأنه يجوز أن يكون" تحريم إسرائيل لما حرمه "بدليل ظنّي" نهض عنده، ويسند حينئذٍ التحريم إليه.
كما تقول: أباح الشافعي الشِّطْرنج، ولحم الخَيْل، وحرمهما أبو حنيفة، ويوضح هذا أن الحاكم هو الله - تعالى - على كُلّ حال، والتفويض لو وقع لم يقتض استناد الحكم إلى العبد وإنما يكون فعل العبد علامة على أنَّ الحكم لله كما عرفناك في صدر المسألة.
الشرح: ثانيًا: "لَا يُخْتَلَى، خلاها وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، فقال: العباس: إلا الإِذخر، فقال "إلَّا الإِذخر" واللفظ عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ يوم فتح "مكة": إنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ إِلى أن قال: فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ - تَعَالَى - إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُه، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُه، وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فقال العبّاس: يا رسول الله إلا الإِذْخر؛ فإِنه لقبورهم وبيوتهم، فقال: "إلا الإِذْخر" رواه البخاري ومسلم (١)، وهذا اللفظ لفظه قالوا: وهذا يدلّ على تفويض الحكم إِلى رأيه ﵇.
(١) أخرجه البخاري (٤/ ٥٦) كتاب جزاء الصيد: باب لا يحل القتال بمكة (١٨٣٤)، ومسلم (٢/ ٩٨٦) كتاب الحج: باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها .... (٤٤٥ - ١٣٥٣) من حديث ابن عباس.