نعم اختلف أهل السُّنة في أنه هل هو عاصٍ، والأصح عند أبي حنيفة ﵀ أنه مطيع.
وعند آخرين أنه عاص، وهو الخلاف في وجوب النظر، فاعرفه.
وإن قلنا: إنه عاص، وأن النظر واجب، فالواجب نظر ما، ولا يشترط نظر على طريقة المتكلمين كما عرفناك، وهذا لا خلاف فيه نعلمه ثابتًا عن أحد من سلف الأمّة.
قال ابن السَّمْعَاني: إيجاب معرفة الأصول على ما يقوله المتكلّمون بعيد جدًّا عن الصَّوَاب، ومتى أوجبنا ذلك، فمتى يوجد من العوام من يصرف ذلك؟ وتصدر عقيدته عنه، بل أكثر العوام بحيث لو عرضت عليهم تلك الدلائل لم يفهموها، وإنما غاية العامي أن يتلقى ما يريد أن يعتقده ويلقى به ربه من العلماء، ويتبعهم في ذلك ويقلدهم، ثم يسلم عليها بقلب سليم طاهر عن الأهواء والأَدْغَال، ثم يعلّق عليها بالنَّوَاجذ، فلا يحول ولا يزول، ولو قطّع إربًا، فهنيئًا لهم السلامة والبعد عن الشُّبهات الداخلة على أهل الكلام والوَرطَات التي تورّطوا فيها حتى أَدَّت بهم إِلى المهاوي والمَهَالك، وولجت عليهم الشُّبُهَات العظيمة في الآخرة، فصاروا متحيّرين عمهين، ولهذا لا يوجد فيهم متورع متعفّف إلا القليل؛ لأنهم أعرضوا عن ورع الألْسنة، وإن سألوها في صفات الله - تعالى - بجرأة عظيمة، وعدم مهابة وحرمة، ففاتهم ورع سائر الجوارح، وذهب عنهم بذلك ورع اللَّسَان، والإنسان كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا، فإذا خَرِبَ منه جانب تَدَاعى منه سائره للخراب؛ ولأنه ما من دليل لفريق منهم يعتمدون عليه إلا ولخصومهم عليه الشبه القوية، بل يدعون لأنفسهم مثل ذلك سواء، وغاية الواحد منهم في اللجج والعلو على صاحبه بزيادة الحذف في طريقة الجَدَل، فبينهم أوضاع يتناظرون عليها، ويطالبون الخَصْم بطردها، فإذا لم يفوا بطردها سمّوها انقطاعًا، وعجزوا، على أَنَّا لا ننكر من الدلائل العقلية بقدر ما ينال المسلم به بَرْد الخاطر، ويزداد ثقة فيما يعتقده [وطمأنينة](١)، وإنما ننكر إيجاب التوصل إِلى العقائد في الأُصول بالطريق الذي اعتقدوه وساموا به جميع الخلق، وزعموا أن من لم يفعل ذلك لم يعرف الله تعالى.