"وكونه جامعًا للحكمة مانعًا لها"، وتوجد الحكمة كلما وجد، وتنتفي كلما انتفى "على خلافه، والمناسبة على الشبهة"؛ لأن الظن الحاصل بها أقوى فقولهم في اثنين: قطع أحدهما من المرفق، والآخر من الكوع القِصَاص على الثاني فقط كما لو قطع أحدهما اليد وحزّ الآخر الرقبة مرجوح بالنسبة إلى قولنا: بل هما قاتلان؛ لأنهما اشتركا في سبب وجوب القصاص، فيلزمهما كما لو اختلف المحلّ بأن قطع أحدهما من جانب، والآخر من جانب؛ لأن حاصل قياسهم شبهي، وهو تشبيه قطع الرقبة بعد الكوع بحزّ الرقبة بعد القطع، ولا مناسبة بينهما بخلاف قياسنا، فإنه مناسب.
الشرح:"والضرورية الخمسة على غيرها، والحاجيَّة، على التحسينيَّة، والتَّكميليَّة من الخمسة على الحاجيَّة والدينية على الأربعة" أي: إذا تعارضت أقسام من المناسبة قدّمت بحسب قوة المصلحة تقدمت الأمور الخمسة الضرورية على غيرها من حاجي أو تحسيني، وقدمت المصلحة الحاجية على التَّحسينية، وقدمت التكميلية من الخمس الضرورية على أصل الحاجية، وإذا تعارضت بعض الخمسة في أنفسها قدمت الدينية على الأربع الأُخر؛ لأنها المقصود.
"وقيل: بالعكس" أي: تقدم الأربعة الأخر؛ لأنها حقّ آدمي، وهو مبني على الشُّح والمضايقة، بخلاف حقّ الرب؛ فإنه مبني على المسامحة والمساهلة، ولذلك قدم قتل القصاص على قتل الردة عند تزاحمهما، والصَّحيح الأول لحديث:"فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ"(١).
وأما تقديم قتل القصاص، فقد بَيّنا في "شرح المنهاج" سِرّه، وهو أن الشارع لا مقصد له في إزهاق الأرواح، إنما مقصده دعوة الخلق إليه، وهداهم وإرشادهم، فإن حصل فهو الغاية، وإلا تعين حسم الفساد بإراقة دم مَنْ لا فائدة في بقائه، فإراقة دم المرتد والحربي
(١) أخرجه مسلم كتاب الصيام ب ٢٧ رقم (١٥٤، ١٥٥)، وأحمد (١/ ٢٢٤، ٢٢٧، ٢٥٨، ٣٦٢)، وابن ماجة (١٧٥٨)، والبيهقي (٤/ ٢٥٥) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، ولفظه: فدين الله أحق بالقضاء.