"وقيل: بالعكس"، وهو أن الأخص أرجح "للاتفاق عليه" لتناول الحَدّين له، بخلاف النافي، فإنه مختلف فيه، والمتفق أولى، "وموافقة العقل" السمعي أي "الشرعي، أو اللغوي"؛ فإن الأصل عدم النقل "أو قربه" إلى المعنى المنقول شرعًا أو لغة عنه؛ لأن النقل إن كان للمناسبة، فيكون الأقرب أنسب، فيكون أولى، "وبرجحان طريقة اكتسابه"؛ لأنه أغلب على الظن.
"وبعمل "المدينة" والخلفاء الأربعة" أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ "والعلماء ولو واحدًا، وبتقرير حكم الحظر؛ فإنه أحوط من المقرر لحكم الإباحة، أو حكم النفي لموافقته الأصل، ويدرأ الحد، ويتركب من الترجيحات الواقعة في المركبات، والحدود أمور لا تنحصر، وفيما ذكر إرشاد لذلك، أرشدنا الله لمراضيه.
قال علماؤنا: وهذه الترجيحات منها ما تنهض به الحُجّة في نفسه، ومنها ما لا يستقلّ بنفسه دليلًا، كعمل المدينة والخلفاء، واطراد العلة، وغير ذلك؛ لأنه ليس كل ما صلح للترجيح صلح لأنا يكون في نفسه دليلًا؛ فإن الرجح يتطلب فيه أدنى ظن، وما استقل بنفسه دليلًا أرجح مما لا يستقل، والله الموفق.
فرغت من هذا الشرح في أواخر نهار الأربعاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وسبعمائة، وكانت البراءة (١) فيه من مستهلّ سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، وهو شرح إذا رآه المنصف عرف أنا أتينا فيه بالعجب العجاب، ودعونا قَصِيّ الإجادة فأجاب، ورُضْنَا عَصِيّ المراد، فزال شماسه وانْجَاب، ودرى أهو الجدير أن يبيد بالقِرى وَهَجَرَ هَجْرَ واصل الكرام، أم الحقيق بأن يضرب له آباط المطي أهل الآراء؛ فإنا وَفَيْنَا بحقّ مختصر حلّت فيه العقد، وقام مصنفه - يرحمه الله - بوظيفة الإيجاز التي قصر دونها كلّ بليغ، وقعّد ورمى المعاني من أمد بعيد، ولم يسلم من حاسد على هذه النعمة، ونعمة الله مقرون بها الحَسَد، صدح على غصون البلاغة ذوات الأفنان، ومنح الطَّالبين جنّة قطوفها دانية لكل قَاصٍ ودانٍ، وشرح صدور الأولياء غير ملتفت إلى الأعداء، وإنما كلام العدا ضرب من الهذيان، فقمنا حق القيام، ورُضْنَا مصاعب النظر بالجدّ والاهتمام، وترقّينا فجر الحقائق حتى تبلّج صُبْحُه والناس نيام، وأعملنا الأفكار، واستخرجنا من الخبَايا الأبْكَار،