(٢) قد علمت أن لكل مركب مادة وصورة، وأن مادة الحدّ الذاتي والعرضي بأقسامهما. وأمَّا صورته فأن تأتي بالجنس الأقرب، ثم بالفصل الأقرب، وخلل الصورة نقص في الحدّ كإسقاط الجنس الأقرب، والاقتصار على الأبعد لدلالة الفصل بالالتزام عليه نحو: الإنسان جسم ناطق، أو إسقاط الجنس مطلقًا لذلك نحو. الإنسان ناطق، وكتقديم الفصل نحو: العشق المفرط في المحبة لإخلاله بالصورة، وخلل المادة منه ما هو خطأ، ومنه ما هو نقص، فالخطأ له أمثلة منها: جعل الموجود والواحد جنسًا للإنسان مثلًا وهما ليسا ذاتيين له، إذ يفهم حقيقته دونهما، ومنها: جعل العرضي الخاص بنوعٍ ما، فَصْلًا له بحيث لا ينعكس كالضاحك بالفعل بالنسبة إلى الإنسان، ومنها: ترك بعض الفصول، بحيث لا يطرد بألا يأتي بالفصل المساوي له إن اتحد ولا بواحد من فصوله المساوية إن تعددت، ومنها: تعريف الشيء بنفسه، وأكثر ما يكون ذلك إذا ذكر الشيء بلفظ مرادف مثل: الحركة وعرض نقلة، فإن النقلة ترادف الحركة، ومثل: الإنسان حيوان بشر، فإن البشر يرادف الإنسان، ومنها: جعل النوع جنسًا، مثل: الشر ظلم الناس، والظلم نوع من الشر، فإن الشرور كثيرة، ومنها: جعل الجزء المقداري جنسًا مثل: العشرة خمسة وخمسة، فإن الخمسة جزء العشرة لا تحمل عليها لا وحدها، ولا بانضمام خمسة أخرى إليها، بل المحمول مجموع الخمستين. هذا في الحدِّ مطلقًا. والحدُّ الرسمي يختص من بين الحدود بأن يكون باللازم الظاهر له؛ أي من بين اللوازم باللازم الظاهر، فلا يجوز أن يرسم الشيء بخفى مثله، فإن الخفي لا يعرّف الخفي، ولا بما هو أخفى منه بالطريق الأولى، ولا بما يتوقف تعقله؛ على تعقله للزوم الدور، فإن الأول مثل: الزوج عدد يزيد على الفرد بواحد، والفرد عدد يريد على الزوج بواحد، والزوج والفرد سيّان في الجلاء والخفاء، ومنه: ذكر أحد المتضائفين في حد الآخَر كما يقال: الأبُ من له ابن، والابن من له أب. والثاني مثل: النار جسم كالنفس، فإن النفس ومشابهة النار لها أخفى من حقيقة النار. والثالث مثل: الشمس كوكب نهاري، فإن عقلية النهار تتوقف على عقلية الشمس؛ لأن النهار وقت طلوع الشمس، فهذه الثلاثة هي الخلل في الرسم خاصة، وأمَّا النقص في المادة فله أمثلة منها استعمال الألفاظ الغريبة الوحشية؛ لعدم ظهورها في المعنى. ومنها: استعمال الألفاظ المشتركة؛ أي بلا قرينة؛ لترددها بين المعنى وغيره، فلا يتعيّن المعنى. ومنها: استعمال الألفاظ المجازية؛ أي بلا قرينة؛ لظهورها في غير المعنى؛ فيقع الجهل. ينظر: شرح المقدمة.