للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أُرِيدَ: مَأْمُورٌ بِهِ، فَأَيْنَ دَلِيلُه، وَإِنْ سُلِّمَ الْإِجْمَاع، فَفِي الْأَسْبَابِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= واستدل الإِمام مالك بحديث عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد بن عاصم، وهو جد عمرو بن يحيى: "هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضأ؟ قال عبد الله بن زيد: نعم؛ فدعا بوضوء، فأفرغ على يده اليمنى فغسل يده مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثًا ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين، مرتين إِلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إِلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إِلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه". أخرجه البخاري ١/ ٣٤٧ (١٩١)، (١٩٢)، (١٩٧)، (١٩٩)، ومسلم ١/ ٢١٠ (١٨/ ٢٣٥) واستدلوا بقول الله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ والرأس حقيقة: اسم لجميعه، والبعض مجاز، ورُدَّ بأن الباء للتبعيض، وأجيب بأنه لم يثبت كونها للتبعيض، وقد أنكره سيبويه في خمسة عشر موضعًا من كتابه، ورد أيضًا بأن الباء تدخل في الآلة، والمعلوم أن الآلة لا يراد استيعابها كـ: مسحت رأسي بالمنديل، فلما دخلت الباء في الممسوح كان ذلك الحكم، أعني عدم الاستيعاب في الممسوح، أيضًا قاله التفتازاني قالوا: جعله جار الله مطلقًا، وحكم على المطلق بأنه مجمل. وبينه النبيّ بالاستيعاب، وبيان المجمل الواجب واجب. ورد بأن المطلق ليس بمجمل؛ لصدقه على الكلّ والبعض؛ فيكون الواجب مطلق المسح كلًّا أو بعضًا، وأيًّا ما كان وقع بها الامتثال. ولو سلم أنه مجمل لم يتعيّن مسح الكلّ؛ لورود البيان بالبعض عند أبي داود من حديث أنس بلفظ أنه أدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة" وعند مسلم (١/ ٢٣٠) حديث (٨١/ ٢٧٤) وأبي داود والترمذي من حديث المغيرة بلفظ "أنه توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة" قال ابن القيم في زاد المعاد (١/ ١٩٣): "إِنه لم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبتة، ولكن كان إِذا مسح بناصيته أكمل على العمامة. قال: وأما حديث أنس فمقصود أنس أن النبيّ لم ينقض عمامته حتى يستوعب مس الشعر كله، ولم ينف التكميل على العمامة، وقد أثبته حديث المغيرة، فسكوت أنس عنه لا يدلّ على نفيه. وأيضًا قال الحافظ: إِن حديث أنس في إِسناده نظر. وأجيب بأن النزاع في الوجوب، وأحاديث التعميم - وإِن كانت أصح وفيها زيادة - وهي مقبولة، لكن أين دليل الوجوب وليس إِلا مجرد أفعال؟ ورد بأنها وقعت بيانًا للمجمل؛ فأفادت الوجوب. والإِنصاف أن الآية ليست من قبيل المجمل وإِن زعم ذلك الزمخشري وابن الحاجب في مختصره والزركشي، والحقيقة لا تتوقف على مباشرة آلة الفعل بجميع أجزاء المفعول، كما لا تتوقف في قولك: ضربت عمرًا على مباشرة الضرب لجميع أجزائه، فمسح رأسه يوجد المعنى الحقيقي بوجود مجرد المسح للكل أو البعض، وليس النزاع في مسمى الرأس؛ فيقال: هو حقيقة في جميعه، بل النزاع في إيقاع المسح على الرأس، =

<<  <  ج: ص:  >  >>