وقال الإمام الغزالي في "المستصفى": كما يتضاد الحرام والواجب فيتضاد المكروه والواجب، فلا يدخل مكروه تحت الأمر حتى يكون شيء واحد مأمورًا به مكروهًا، إلا أن تنصرف الكراهية عن ذات المأمور به إلى غيره، ككراهية الصلاة في الحمام وأعطان الإبل، وبطن الوادي وأمثاله، فإن المكروه في بطن الوادي التعرض لخطر السيل، وفي الحمام التعرض للرشاش أو لتخبط الشياطين، وفي أعطان الإبل التعرض لنفارها، وكل ذلك مما يشغل القلب في الصلاة، وربما شوش الخشوع، بحيث لا ينقدح صرف الكراهة عن المأمورية إلى ما هو في جوازه وصحته؛ لكونه خارجًا عن ماهيته وشروطه وأركانه، فلا يجتمع الأمر والكراهية. وبذلك رأينا أن الإمام الغزالي ﵀ قرر أن المكروه لا يجامع الواجب؛ إذ كان النهي عائدًا إلى عين المأمور به أو إلى وصفه الملازم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون النهي للتحريم أو للتنزيه، أما إذا كان النهي عائدًا إلى معنى خارج عن الأمر كما في الأمثلة التي ذكرها الغزالي - فهذا لا مانع من أن يكون المأمور به منهيًا عنه من هذه الجهة، بمعنى أنه يجوز أن يجتمع الواجب والمكروه في تلك الحالة. ينظر: لسان العرب ٥/ ٣٨٦٥، وترتيب القاموس المحيط ٤/ ٤٤، والمصباح المنير ٢/ ٨٤. وينظر: البحر المحيط للزركشي ١/ ٢٩٦، والبرهان لإمام الحرمين ١/ ٣١٠، وسلاسل الذهب للزركشي ١٠٨، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١/ ١١٤، ونهاية السول للإسنوي ١/ ٧٩، وزوائد الأصول له ١٧٠، ومنهاج العقول للبدخشي ١/ ٦٥، وغاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ١٠، والتحصيل من المحصول للأرموي ١/ ١٧٥، والمستصفى للغزالي ١/ ٢٨، وحاشية البناني ١/ ٨٠، والإبهاج لابن السبكي ١/ ٥٩، والآيات البينات لابن قاسم العبادي ١/ ١٣٥، وحاشية العطار على جمع الجوامع ١/ ١١٣، والمعتمد لأبي الحسين ١/ ٥، وحاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ١/ ٢٢٥، وشرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ٢/ ١٢٣، والموافقات للشاطبي ١/ ١٠٩، وميزان الأصول للسمرقندي ١/ ١٤٧، والكوكب المنير للفتوحي ١٢٨.