للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذا دخل الكافر الحرم، وقتل صيدًا لزمه الضمان.


= المناقشة: ورد على الإمام في السنة أنا لا نسلم أن اسم الخمر خاص بالنيء من عصير العنب المسكر حتى تقصر الأحكام عليه، لما سبق أن كل شراب مسكر يسمى خمرًا من أي مادة اتخذ، لا فرق بين ما كان متخذًا من نيء عصير العنب، المشتد وما كان من غيره، وقد وافق الإمام الجمهور على حرمة الانتفاع بهذه الأنبذة المسكرة، والبيع ونحوه انتفاع بها، وقد روي عن أبي هريرة عند أبي داود، وعن ابن عباس عند ابن حبان، وعن ابن مسعود عند الحاكم، وعن بريدة عند الطبراني في الأوسط: من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة بلفظ: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو من يتخذه خمرًا فقد تقحم النار على بصيرة" حسنه الحافظ. وإذا كان هذا وعيد من يمسك العنب الحلال ليبيعه ممن يتخذه خمرًا، فما يكون وعيد من يمسك النبيذ الحرام ويبيعه لينتفع بثمنه؟ ورد عليه في المعقول أن محل البيع الشرعي إنما هو المال المتقوم المباح الانتفاع به حقيقة وشرعًا، ولم يتحقق هنا شرط المحل، وهو الانتفاع به شرعًا بالاتفاق؛ فلا يجوز بيعها كالخمر؛ لأن البيع ونحوه انتفاع أيما انتفاع. وكون البيع اللغوي مبادلة شيء مرغوب فيه بآخر مرغوب فيه لا يقتضى حل بيعها شرعًا؛ لأن الشارع اعتبر لحقيقة البيع الشرعي شروطًا لا تتحقق الحقيقة الشرعية بدونها، ككون المبيع مالًا متقومًا منتفعًا به شرعًا، وهذه الأشربة ليست كذلك عند الإمام. على أن هذا نظر، والنظر لا يقاوم الأخبار والآثار الصحيحة الصريحة في النهي عن الانتفاع بها من البيع والإهداء ونحوهما، وعموم النصوص شامل لكل شراب مسكر من غير فرق؛ لما سبق أن الأصح في اسم الخمر العموم لغة لكل شراب مسكر.
ورد على الصاحبين أن قصر الأحكام على بعض الأشربة المسكرة دون بعض تحكم بعدما سبق عن الدليل الدال على عموم اسم الخمر لكل شرب مسكر من أي مادة اتخذ، وكما ألحق الصاحبان هذه الأنبذة الثلاثة بخمر عصير العنب المشتد يلزمهما أن يلحقا بها سائر الأنبذة المسكرة حيث لم يقم دليل على التخصيص، والدي نختاره حرمة التصرف في كل مسكر بأي نوع من أنواع التصرف؛ لورود الأخبار الصحيحة الدالة على حرمة إمساكها ووجوب إتلافها وحرمة بيعها وشربها واهدائها، ولم تفصل الأخبار بين نوع من الشراب المسكر وآخر منه، ولا بين المحترمة وغيرها، ولو كان ما حرمه الله ورسوله مالًا محترمًا لأمر الرسول بحفظه ونهى عن إضاعته، وقد علمنا مما تقدم أن اسم الخمر شامل لغة لكل شراب مسكر من أي مادة اتخذ من غير فرق بين المتخذ من نيء عصير العنب والمتخذ من غيره؛ فإن لم يسلم ذلك لغة فالجميع خمر شرعًا يحرم الانتفاع بها بأي وجه من أوجه الانتفاع ومنه البيع والإهداء وما ماثلهما. بقول الرسول : "كل مسكر خمر" وقوله: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" وقوله: "إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود" كما سبق في الأحاديث. =

<<  <  ج: ص:  >  >>