للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكلامنا في الفعل المجرد دون القَرِينَةِ صحيح، ولكنه لا يدفع الظهور، فإن الأصلَ عدم القرائن، فَلْيَسَعْنَا ما وَسَعَ الصَّحابة من الاقتداء والتأسِّي.

قلت: وأنا أستحسن أن يستدل بما في "الصحيحين" عن عائشة قالت: "إن كان رسول الله لَيَدَعُ العَمَلَ وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمله الناس فيفرض عليهم" ففي هذا دليل على أمرين:

أحدهما: أن الفرض عليهم لم يكن بنفس فعله، بل بفرض من الله - تعالى - إذا اقتدوا بما فيه.

الثَّاني: أن الناس كانوا يتأسَّوْن وإن لم يفهموا الصّفة.

والثالث: ما احتمل أن يخرج عن الجِبِلَّةِ للتشريع بمواظبة على وَجْهٍ خاص ونحوها، وهو دون ما ظهر فيه قَصْد القرينة [القُرْبَةِ]، وفوق ما ظهر [فيه] (١) الجِبِلِّي، ولم يذكره الأصوليون، وربما ترقَّى القولُ فيه في بعض أفراده إلى الوجوب.

فقد رأى الشَّافعي فساد الصَّلاة بترك الجلوس بين الخُطْبَتَيْنِ؛ لأنه كان يجلس بين الخُطْبَتَيْنِ (٢).

أو إلى الجَزْمِ بالندب، فقد استحب أصحابنا الاضطجاع على الجانب الأيمن بين ركعتي الفجر وصلاته، سواء اكان للمرء تهجّد أم لا؛ لقول عائشة : "كَانَ النَّبِيُّ إِذَا


(١) سقط في ح.
(٢) الشافعية يرون على سبيل الوجوب الجلوس بينهما، وخالف في هذا أبو حنيفة ومالك وأحمد حيث قالوا: إنه سنة وليس بشرط. يدل للشافعية ما ثبت من مواظبة رسول الله ومن بعده عليه، وتجب الطمأنينة فيه كما في الجلوس بين السجدتين، ولو خطب قاعدًا لعجزه عن القيام لم يضطجع بينهما للفصل لكن يفصل بينهما بسكتة خفيفة. وهل يسكت في الجلوس. أو يقرأ، أو يذكر؟ في صحيح ابن حبان "أنه كان يقرأ فيه" أفاد ذلك الأذرعي.
وقال ابن حجر: يسن قراءة الإخلاص، فإن قيل: لم عد القيام والقعود هنا من الشروط، ولم يعدا ركنين كما في الصلاة؟ أجاب إمام الحرمين بأنه لا حجر على من يعدهما ركنين، ويمكن الفرق بأن الخطبة ليست إلا الذكر والوعظ، ولا ريب أن القيام والجلوس ليسا بجزءين منها بخلاف الصلاة؛ فإنها جملة أعمال؛ فكانا جزءين فكانا ركنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>