وقال أيضًا: غلَب علَى عِلْمِ الدِّين؛ لسيادته وشرفه، كالنَّجْم على الثُّرَيَّا، والعَوْدِ على المنْدَلِ.
وقال ابن سراقَة: وقيل: حدُّه في اللُّغَةِ العبارةُ عنْ كلِّ معلومٍ تيقَّنه العالمُ به عن فكْرٍ.
وحَدَّهُ أبو الحُسَيْن في "المُعْتَمَدِ" وجَرى عليه الرازيُّ في "المَحْصُولِ" بفَهْم غرض المتكلِّم، فلا تسمَّى لغةُ فَهْمِ الطيْرِ فقْهًا، وهذا منتقضٌ بما ورد بأنه يوصَفُ بالفهْم، حيث لا كلام، وبأنه لو كان كذلك، لم يكنْ في نفي الفقْه عنْهم منقصةٌ ولا تعيير؛ لأنه غير متصوَّرٍ، وقد قال الله ﷿: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [سورة الإسراء: الآية ٤٤].
وقال العلَّامة ابنُ دَقِيقِ العِيدِ: وهذا تقييدٌ للمُطلَق بما لا يتقَيَّد به.
وقال أبو إِسحاق الشِّيرَازِيُّ في "شَرْحِ اللُّمَعِ": إِنه فهْم الأشياءَ الدَّقِيقَة، سواءٌ كانَتْ غرضَ المتكلِّم أم لا، ورجَّحه القرافِيُّ وقال: هذا أَوْلَى …
والصَّحيحُ الذي صار عليه المحقِّقون من أهل العربية والأُصُول: أنه يطلق على الفَهْم مُطْلَقًا، سواءٌ كان المفهومُ دقيقًا أمْ غَيْرَه، وسواءٌ كان غَرَضًا لمتكلِّم أم غيره، والدَّليلُ على ذلك من الكتاب العزيز قولُ الله تعالى على لسان قوم شُعَيْبٍ: ﴿قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ [سورة هود: الآية ٩١].
فوجه الدلالةِ من الآية واضحٌ في أن أكْثَر ما يقول شعيبٌ ﵊ كان واضحًا، فأطلق الفقه على الكلامِ الواضحِ والدَّقيقِ.
وقال تعالى أيْضًا في شأنِ الكفَّار: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ [سورة النساء: الآية ٧٨].