(٢) قد اختلف أهلُ العلمِ منَ الصحابةِ والتابعين، فَمَنْ بعدَهم في القراءةِ خلفَ الإمام، فذهب جماعةٌ إلى إيجابها سواءٌ جَهَرَ الإمامُ أو أسَرَّ، يُروى ذلك عن عمَر، وعثمانَ، وعلي، وابنِ عباسٍ، ومُعاذٍ، وأبيِّ بن كعْبٍ، وبه قال مكحول، وهو قول الأوزاعي والشافعي، وأبي ثورٍ، فإن أمكنه أن يقرأ في سكتة الإمام، وإلا قرأ معه. وذهب قومٌ إلى أنه يقرأ فيما أسَرَّ الإمامُ فيه القراءة، ولا يقرأ فيما جَهَرَ، يُقالُ: هو قول عبد الله بن عمرَ، ويُروى ذلك عن عروة بنِ الزبير، والقاسم بن محمد، ونافعِ بنِ جُبير، وبه قال الزُّهري، ومالكٌ، وابنُ المبارك، وأحمد، وإسحاق، وهو قولٌ للشافعي. وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ أحدٌ خلفَ الإمام سواء أسَرَّ الإمامُ أو جَهَرَ، يُروى ذلك عن زيد بن ثابتٍ وجابر. ويُروى عن ابن عمر: إذا صَلَّى أحدُكم خلفَ الإمامِ فحَسْبُهُ قرَاءةُ الإمام، وبه قال سفيان الثوريُّ، وأصحاب الرأي، واحتجوا بحديث أبي هريرة "ما لي أُنازَعُ القرآن"، قلت: وذلك محمولٌ عند الأكثرين على أن يجهرَ على الإمام بحيثُ ينازِعه القراءة، والدليل عليه ما رُويَ عن عمران بن حُصين أن نبي اللّه ﷺ صلى بهم الظهرَ، فلما انفتَلَ قال: أيُّكُمْ قرأ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾؟ فقال رجل: أنا، فقال: "عَلِمْت=