وأما قول شارح ابن الحاجب، وهو القاضي عضد الدين أن التعديل مقدم، فغير مسلم؛ إذ لا يعرف قائل بتقديم العديل مطلقًا. ومحل الخلاف عند إطلاق الجرح والتعديل بلا تعيين سبب أو عند تعيين الجارح سببًا لم ينفه المعدل، أو نفاه بطريق غير يقيني. أما إذا عين الجارح سبب الجرح بأن قال: قتل فلانًا يوم كذا مثلًا، ونفاه المعدل يقينًا بأن قال: رأيته حيًا بعد ذلك اليوم، فالتعديل مقدم على الجرح اتفاقًا. وكذا يقدم التعديل على الجرح لو قال المعدل: علمت ما جرح به الشاعر أو الراوي وإن المجروح تاب عنه. اهـ. وفي الفقه: إذا جرح الشهود واحد من المزكين وعدلهم اثنان منهم قدم التعديل على الجرح؛ لقيام نصاب الشهادة فيه، وإن عدلهم أكثر من اثنين وجرحهم اثنان قدم الجرح لبلوغ كل نصاب الشهادة، ولا عبرة بالزائد. والجرح مقدم لإثباته خلاف الأصل، وإن جرحهم واحد وعدلهم واحد فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف: الجرح أولى؛ لاعتماده خلاف الظاهر. وقال محمد بالتوقف حتى يعدلهم أو يجرحهم آخر، فيترجح أحد الجانبين. هذا كله على مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وعند المالكية: لو عدل شاهدان رجلا وجرحه آخران ففي ذلك قولان؛ قيل: يقضي بأعدلهما: لاستحالة الجمع ينهما. وقيل: يقضي بشهود الجرح؛ لأنهم زادوا على شهود التعديل؛ إذ الجرح مما يبطن فلا يطلع عليه كل الناس. ينظر: المحصول ٢/ ٥٨٩/١، وإرشاد الفحول ١٦٨، والإحكام للآمدي ٢/ ٧٩، والمستصفى ١/ ١٦٣، وشرح العضد ٢/ ٦٥، والمسودة ٢٧٢، وشرح الكوكب ٢/ ٤٣٠، وحاشية البناني ٢/ ١٦٤، وفواتح الرحموت ٢/ ٥٤.