المسلمون يترحمون على الصحابة ويترضون عنهم كما ترضى الله تعالى عنهم في قوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة}[الفتح:١٨] ، وإذا رضي الله عنهم فقد علم أنهم أهل للرضا فلا يسخط عليهم، كما وعد أهل الجنة بذلك في قوله:(أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً) ، وكذلك يقول تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه}[التوبة:١٠٠] أخبر بأنه رضي عنهم، وإذا رضي عنهم فلا يسخط عليهم، وهم أهل للرضا، وكذلك يقول تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}[التوبة:١١٧] ، وإذا تاب الله عليهم -ومنهم نبيهم صلى الله عليه وسلم- ومدحهم بأنهم اتبعوه في ساعة العسرة؛ فإنه تعالى هو التواب الرحيم، ولا شك أنه قبل توبتهم بعد أن كانوا مشركين في الجاهلية فأسلموا وتابوا فقبل منهم وبقوا على هذا الإسلام، ولا يمكن أن يتوب الله عليهم ويخبر بأنهم أهل للرضوان وهو يعلم سبحانه أن فيهم من يرتد، وأن فيهم من يكفر، وأنهم ليسوا أهلاً لذلك على حد زعم أعدائهم.
هذا هو مقتضى علم الله تعالى، فالله سبحانه عليم بما كان، عليم بما يكون، علم أن هؤلاء الصحابة خيرة خلق الله من هذه الأمة، اصطفاهم صحباً لنبيه، وحملة لشريعته، وأهلاً لرضاه، وأهلاً لدينه، وأهلاً لتوبته، فهم أهل لذلك في وقت نزول القرآن وفيما بعده، وفي حياة نبيهم صلى الله عليه وسلم وبعد موته، لا يمكن أن يغيروا ولا أن يبدلوا، هذه سنة الله وهذا علم الله.
كذلك نترضى عنهم؛ لأنهم حملة شريعة الله التي وصلت إلينا، فهم الذين بلغوا أمر الله، وبلغوا أمر رسوله، بلغوا القرآن وبلغوا السنة، ونقلوها إلى من بعدهم كما هي عملاً بقول نبيهم صلى الله عليه وسلم:(بلغوا عني ولو آية) فمن حفظ منهم آية علمها وبلغها، ومن حفظ حديثاً أداه كما سمعه على ما قال نبيهم صلى الله عليه وسلم، حيث قال في حجة الوداع لما خطبهم:(ألا هل بلغت؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت، فقال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فلعل بعض من يبلغه أوعى ممن سمعه) فأمر الشاهد الحاضر أن يبلغ الغائب، ولا شك أنهم امتثلوا هذا الأمر فبلغوا ما أمروا بأن يبلغوه وما تحملوه، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك بقوله:(رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) فهذا البيان والبلاغ أول وأولى من قام به صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولما كانوا حملة هذا القرآن، وحملة هذه الشريعة، وحملة السنة النبوية، والذين أدوها إلى تلامذتهم، وأدوها إلى من بعدهم؛ اعتقد أهل السنة أنهم أوفياء، وأنهم بررة أتقياء، وأنهم كلهم عدول ليس فيهم من يتهم بكذب، وليس فيهم من يقول كذباً أو يختلق حديثاً لا أصل له، وإنما حدث الكذب فيمن بعدهم، فعرفنا بذلك عدالة هؤلاء الصحابة وثقتهم، وأنهم حملة الشريعة، ولو طعن فيهم لبطلت الشريعة، ولبطل الدين، ولبطلت ثقتنا بالقرآن، لكن ثقتنا بكتاب ربنا ثقة قوية، وكذلك ثقتنا بالأحاديث، وثقتنا بالأعمال التي نحن نعملها ثقة راسخة وعقيدة ثابتة لا يمكن أن ننساها، ولا يمكن أن نتركها، ولا يمكن أن يتصدى لها طاعن أو نقبل فيها قول قائل؛ لأننا ما وثقنا بها إلا لأنها بلاغ أولئك الأصحاب، فهي بلاغ وبيان منهم، وهم أهل الثقة وأهل العدالة وأهل التقوى.