للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإسراء والمعراج وما ورد فيهما]

قال رحمه الله تعالى: [قوله: (والمعراج حق، وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العلا، وأكرمه الله بما شاء، وأوحى إليه ما أوحى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١] ، فصلى الله عليه في الآخرة والأولى.

المعراج: مفعال من العروج.

أي: الآلة التي يُعرج فيها أي: يصعد، وهو بمنزلة السلَّم، لكن لا نعلم كيف هو، وحكمه كحكم غيره من المغيَّبات نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته.

وقوله: (وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة) اختلف الناس في الإسراء: فقيل: كان الإسراء بروحه ولم يُفْقد جسده، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، ونقل عن الحسن البصري نحوه.

لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال: كان الإسراء مناماً، وبين أن يقال: كان بروحه دون جسده، وبينهما فرق عظيم، فـ عائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا: كان مناماً، وإنما قالا: أسري بروحه ولم يُفْقد جسده.

وفرقٌ ما بين الأمرين؛ إذ ما يراه النائم قد يكون أمثالاً مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة، فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء وذُهِب به إلى مكة وروحه لم تصعد ولم تذهب، وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال، فما أرادا أن الإسراء كان مناماً، وإنما أرادا أن الروح ذاتها أسري بها ففارقت الجسد ثم عادت إليه، ويجعلان هذا من خصائصه؛ فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت وقيل: كان الإسراء مرتين: مرة يقظةً ومرة مناماً، وأصحاب هذا القول كأنهم أرادوا الجمع بين حديث شريك وقوله: (ثم استيقظت) وبين سائر الروايات.

وكذلك منهم من قال: بل كان مرتين: مرة قبل الوحي ومرة بعده.

ومنهم من قال: بل ثلاث مرات: مرة قبل الوحي ومرتين بعده.

وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة للتوفيق، وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث، وإلا فالذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة قبل الهجرة بسنة، وقيل: بسنة وشهرين، ذكره ابن عبد البر] .