ورث الرافضة والسبئية من هم أشد كفراً ونفاقاً، وهم الباطنية أو القرامطة، فرقة ظهرت في آخر القرن الثالث، وتمكنت في أول القرن الرابع، وظهر لهم فساد كبير، ومقالات شنيعة، يقول فيهم بعض السلف: ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض.
ويذكرون أن الذي حملهم على الدخول في الإسلام إخراج الأمة من عقيدتها وإفساد عقيدتها من الإيمان بالله والإيمان بالبعث وما أشبه ذلك، وعقائدهم كفرية، وقد تمكنوا مع الأسف في آخر القرن الثالث، في حدود سنة مائتين وسبعين إلى حدود سنة ثلاثمائة وثلاثين، فتمكنوا من البحرين والأحساء والقطيف والخليج كله، ووصلوا إلى حدود العراق، وأغاروا على العراق مراراً، وقتلوا وسبوا، وفي سنة ثلاثمائة وسبعة عشر قتلوا الحجاج، وقلعوا الحجر الأسود، وبقي عندهم إلى أن ضعف أمرهم في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ولا شك أنهم كفرة فجرة، فكيف تمكنوا؟ رأوا أن أهل العراق وأهل إيران وأهل تلك البلاد قد تمكن من قلوبهم حب علي وأهل بيته، فقد كانوا على مذهب الرافضة، فدخلوا عليهم من هذا الجانب، وبدءوا بادعاء أنهم رسل للمهدي المنتظر، الذي هو عند الرافضة محمد بن الحسن العسكري، الذي دخل سرداب سامراء، ولا يزالون ينتظرونه، فهؤلاء القرامطة ادعوا أنهم رسله، وأنهم كمقدمة بين يديه، وأنه سيخرج قريباً، فقالوا: نحن نؤلف من يكون عوناً له، حتى إذا خرج يكون له أعواناً، حتى يقضي على الدولة العباسية، وعلى دولة كذا وكذا، حتى لا يبقى أحد ضده، هذا تفكيرهم، فانخدع بهم خلق كثير، وفعلوا الأفاعيل، وظهر للناس فسقهم وكفرهم، فذكر المؤرخون أنهم حجوا مرة، ولما كانوا في أثناء الطريق على حدود الضريبة التي هي محرم ميقات أهل العراق أو قبل ذلك بقليل؛ اتفقوا بحجاج العراق، فقتلوا الحجاج، وكان أميرهم من بني العباس، ولم يبقوا منهم إلا من شذ، قتلوهم وأخذوا ما معهم من النساء والرواحل، وهرب من سلم منهم، والذين هربوا راجلين مات أغلبهم ظمأً وجهداً، فهذه من أفعال هؤلاء المنافقين الباطنية الذين ورثتهم في القطيف وما حوله، وقد سماهم أهل السنة بالباطنية؛ لأنهم يبطنون الكفر، ويظهرون أنهم يحبون أهل البيت، وأنهم يوالونهم، وأنهم أتباع علي، يقولون لدعاتهم: ادعوا الناس إلى محبة الآل، ادعوهم إلى محبة أهل البيت، ادعوهم إلى محبة آل المصطفى، فإذا أجابوكم فقولوا لهم: لا نقبل منكم حتى تتبرءوا من بني العباس، وحتى تتبرءوا من الخلفاء، وحتى تتبرءوا من الصحابة، وحتى تتبرءوا من بني أمية، ومن كذا ومن كذا، فإذا تبرءوا منهم، واعتقدوا كفرهم وخروجهم من الملة، عند ذلك يقدحون أيضاً في إمامهم الذي يتبعونه وهو علي، ويذكرون لهم عيوبه ومثالبه، وما نقم عليه، فعند ذلك يبقون مذبذبين، لا إلى المؤمنين ولا إلى الشيعة، لا سنيين ولا شيعة، فيكونون منهم، يبطنون ما يبطنون، فغروا الخلق الكثير بهذه الحيلة.