للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آثار الإيمان باليوم الآخر]

من أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، وهذان الركنان يحتاج كل منهما إلى تفاصيل، وقد مر بنا بعض التفاصيل، والمؤمن الذي يؤمن بالله يؤمن بما أخبر من التفاصيل لهذه الأشياء؛ وذلك لأن من تمام الإيمان بالله الإيمان بما أخبر به مما كان أو هو كائن.

ومن علامات الإيمان باليوم الآخر الاستعداد له، ولا شك أن يوم القيامة عظيم الهول، عظيم الكرب، سماه الله يوم الفزع الأكبر.

وأما تفاصيله فإنها مأخوذة من الأدلة التفصيلية التي اشتملت عليها الآيات والأحاديث، وإذا قرأها أو سمعها المؤمن فبلا شك أنه يظهر عليه أثر تلك الأمور، فيستعد للحساب إذا آمن به، ويستعد لتطاير الصحف إذا آمن بها، ويستعد لورود الحوض إذا آمن به، ويستعد للصراط إذا آمن به، وآخر شيء يؤمن به الجنة أو النار، فيعلم أنهما النهاية، وأن الجنة دار الكرامة لأولياء الله، والنار دار العذاب لأعداء الله، ولكل منهما بنون، ولكل منهما أهل، وقد وعد الله كلاً منهما بملئها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (احتجت الجنة والنار، فقالت الجنة: فيّ ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار: فيّ الجبارون والمتكبرون، فقال الله للجنة: أنت دار رحمتي أرحم بك من أشاء، وقال للنار: أنت دار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما علي ملؤها) ، وإذا كان كذلك فإنه يستعد لما ينجيه من النار، ولما يؤهله للجنة.

وأما صفة ما فيهما فقد فصلت في ذلك الأدلة، وألفت فيها المؤلفات، فللإمام ابن القيم رحمه الله كتاب مفيد اسمه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) جمع فيه صفة الجنة، وما ورد فيها، وذكر فيه درجاتها وآنيتها وقصورها وأنهارها وأشجارها وثمارها وحورها وفرشها وسررها وجميع ما أخبر الله عنها، وهكذا لتلميذه ابن رجب رحمه الله كتاب سماه (التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار) تكلم فيه عن النار وعن عذابها وحميمها وزقومها وأغلالها وسعيرها وزمهريرها ودركاتها وحرها وحال أهلها، وما ورد فيهم، فإذا قرأ القارئ هذا الكتاب اشتد خوفه، واشتد فزعه، وإن لم يكن فيه تفصيل للأعمال التي يستحق بها العبد النار، ولكن ذكر فيه صفة عذاب النار، وأما الأعمال فهي مذكورة مبسوطة في الأدلة، تجدون في الآيات والأحاديث التي ذكر فيها أهل النار وأهل الجنة، من فعل كذا دخل الجنة، ومن فعل كذا دخل النار، وهذه مشروحة وموسع الكلام فيها، وإذا عرفها المسلم فإنه بلا شك يهتم بها، فيعرف الأعمال الصالحة التي تصير أهلها من أصحاب الجنة فيعملها، والتي توعد عليها بعذاب النار فيتركها، ويبتعد عنها، وعن أهلها حتى يكون من أهل الوعد، ويسلم من الوعيد.