حديث افتراق الأمة، فيه أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهو دليل على أن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على أن الأمة الذين استجابوا لدعوته سوف يقع بينهم شيء من الخلافات، وهذه الخلافات لا بد أن يكون لها آثار، فآثارها وقوع قتال ووقوع تفسيق وتكفير وتضليل فيما بينهم، وقد وقع هذا الاختلاف حتى في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فوقعت الفتنة الأولى التي هي خلاف بين علي ومعه أهل العراق، لما جاء بعض الصحابة يطالبون باستئصال قتلة عثمان، فوقعت وقعة بشعة تسمى وقعة الجمل، قتل فيها خلق كثير من هؤلاء وهؤلاء، مع أن الجميع مسلمون؛ ولكن تدخل الشيطان فأوقع هذا الاختلاف.
وأكثر الصحابة أجلاء لم يدخلوها بل اعتزلوها، وإنما دخلها من لا بد منه كـ علي ومن معه وعائشة ومن معها، وقتل فيها من الصحابة الزبير وطلحة، وقتل فيها من قتل من أتباع هؤلاء وهؤلاء.
ثم وقعت فتنة أخرى في صفين بين أهل الشام وأهل العراق، أهل الشام يطالبون بدم عثمان، ويطلبون باستئصال قتلته، وأما أهل العراق فيطالبون بجمع الكلمة ويقولون: إننا سوف نستأصلهم بعدما تجتمع الكلمة، فوقعت هذه الفتنة التي حصل فيها قتل كثير يقدر بعشرات الألوف من هؤلاء وهؤلاء، وكانت فتنة عظيمة، وممن قتل فيها من الصحابة عمار بن ياسر رضي الله عنه، وأكثر القتلى من غير الصحابة.
ثم انعزلت فرقة من أصحاب علي، وكفروا علياً ومعاوية، وسُموا بالخوارج؛ لأنهم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين، وعن موافقة المسلمين، وليس فيهم أحد من الصحابة، بل كلهم من غير الصحابة، فحصل أن الصحابة غزوهم وقاتلوهم، وحصل منهم ثورات وقتال استمر أكثر من سبعين سنة مع المسلمين، ولا شك أن ذلك من أسباب الفرقة، وأن الشيطان أوقع هذا الخلاف بينهم في هذه العقائد، حتى يضللهم ويوقعهم فيما أوقعهم فيه، مما له فيه هدف وقصد، ثم حدثت بعد ذلك فرق كثيرة، ومنها ما وصلت بدعتهم إلى الكفر، ومنها ما وصلت إلى الابتداع الذي هو دون الكفر.