ذكر أن القلوب تمرض وأن لها شفاء، وأنها بحاجة إلى علاج وبحاجة إلى غذاء، فالبدن إذا مرض احتاج إلى الدواء، وإذا جاع احتاج إلى الغذاء، وغذاء البدن الأكل والطعام، وعلاجه الأدوية والعقاقير وما أشبهها وهذا غذاء ودواء حسي، ولكن لا يفيد ذلك في مرض القلوب.
فالقلوب لها غذاء هي بحاجة إليه أشد من حاجة الأبدان إلى غذائها، وهو غذاء معنوي؛ هذا الغذاء هو ما يستنبط من العلوم الشرعية، هذا الغذاء هو كلام الله وكلام رسوله والعمل به.
فما دام القلب مستقيماً وما دام سليماً، فإنه بحاجة إلى أن يستمر معه هذا الغذاء، يستمر العبد على قراءة كلام الله وعلى تعلمه، وعلى تعلم السنة النبوية وعلى العمل بها، حتى يبقى قلبه سليماً ويبقى على العمل وعلى الفطرة والاستقامة.
أما إذا أحس بمرض من الأمراض التي ذكرنا، فإن لديه العلاج النافع، وليس علاجه عند الأطباء وفي الصيدليات ونحوها، بل علاجه معنوي، وهو أن يتعاطى هذا الكتاب وأن يعالج به قلبه، فإذا كان المرض من الشبهات فإنه يزيلها بما يبطلها، فإذا ورد إلى القلب شبه التشكيك في المعاد وجد في القرآن علاجاً يزيل هذه الشبهة.
وإذا مرض القلب بشبهة التشكيك مثلاً في الإيمان بالغيب وجد في القرآن علاجاً ودواءً لهذا المرض، وإذا مرض القلب بشبهة الشك في المعاد أو في المبدأ أو في أول الخلق أو في آخره، أو بشبهة الشك -مثلاً- في الأسماء والصفات، أو بشبه الشك في العبادات والمعاملات، أو بشبهة الشك في الأوامر والنواهي، أو ما أشبه ذلك؛ وجد علاج ذلك علاجاً كاملاً في كلام الله وكلام رسوله، ولكن ذلك يحتاج إلى قلب حي واع فطن، يحتاج إلى تأمل؛ فيقرأ كتاب الله عز وجل ويتتبع السنة النبوية، وعند ذلك يحيا قلبه بعد أن كان ميتاً، ويصح بعد أن كان مريضاً، ويزول ما فيه من الوهن، وتزول الأمراض الكثيرة التي ذكرنا، فيزول الإقفال، وتزول الأكنة، ويزول الختم، ويزول الطبع، وتزول القسوة، ويزول الرين إذا استعمل كتاب الله كعلاج ودواء لهذه الأمراض القلبية.