قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد نفى الجهم وكل من وافقه كل ما وصف الله به نفسه، من كلامه ورضاه وغضبه وحبه وبغضه وأسفه ونحو ذلك، وقالوا: إنما هي أمور مخلوقة منفصلة عنه، ليس هو في نفسه متصفاً بشيء من ذلك.
وعارض هؤلاء من الصفاتية ابن كلاب ومن وافقه، فقالوا: لا يوصف الله بشيء يتعلق بمشيئته وقدرته أصلاً، بل جميع هذه الأمور صفات لازمة لذاته قديمة أزلية، فلا يرضى في وقت دون وقت، ولا يغضب في وقت دون وقت، كما قال في حديث الشفاعة:(إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) .
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك! فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب! وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) فيستدل به على أنه يحل رضوانه في وقت دون وقت، وأنه قد يحل رضوانه ثم يسخط، كما يحل السخط ثم يرضى، لكن هؤلاء أحل عليهم رضواناً لا يتعقبه سخط.
وهم قالوا: لا يتكلم إذا شاء، ولا يضحك إذا شاء، ولا يغضب إذا شاء، ولا يرضى إذا شاء، بل إما أن يجعلوا الرضا والغضب والحب والبغض هو الإرادة، أو يجعلوها صفات أخرى، وعلى التقديرين فلا يتعلق شيء من ذلك لا بمشيئته ولا بقدرته، إذ لو تعلق بذلك لكان محلاً للحوادث، فنفى هؤلاء الصفات الفعلية والذاتية لهذا الأصل، كما نفى أولئك الصفات مطلقاً بقولهم: ليس محلاً للأعراض.
وقد يقال: بل هي أفعال، ولا تسمى حوادث، كما سميت تلك صفات ولم تسمّ أعراضاً، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى، ولكن الشيخ رحمه الله لم يجمع الكلا م في الصفات في المختصر في مكان واحد، وكذلك الكلام في القدر ونحو ذلك، ولم يعتن فيه بترتيب.
وأحسن ما يرتب عليه كتاب أصول الدين، ترتيب جواب النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام حين سأله عن الإيمان فقال:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) الحديث، فيبدأ بالكلام على التوحيد والصفات، وما يتعلق بذلك، ثم بالكلام على الملائكة، ثم وثم إلى آخره] .
يتعلق هذا الكلام بالرد على الذين يثبتون بعض الصفات دون بعض، أو ينفون الصفات كلها، وعرفنا أن الجهمية ينفون الصفات بل ينفون الأسماء، وعلة النفي عندهم أنه ليس محلاً للحوادث، ويقولون: إننا ننزه الله عن الأعراض وعن الأبعاض، وما أشبه ذلك.
ولا شك أن هذا قول بعيد عن الصواب، وذلك لأنا لا نقول بالأعراض، بل نقول: إن الرب سبحانه وتعالى بصفاته واحد فلا أعراض هناك ولا أبعاض ولا حوادث ولا غير ذلك.