[وضوح الأدلة على توحيد الألوهية ناشئ عن شدة حاجة الناس إليه]
قال رحمه الله:[وإذا كان توحيد الربوبية الذي يجعله هؤلاء النظار ومن وافقهم من الصوفية هو الغاية في التوحيد، داخلاً في التوحيد الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، فليعلم أن دلائله متعددة، كدلائل إثبات الصانع، ودلائل صدق الرسول؛ فإن العلم كلما كان الناس إليه أحوج؛ كانت أدلته أظهر رحمة من الله بخلقه] .
يقول: توحيد الإلهية هو المطلوب، وتقدم أن كل رسول يبدأ دعوته بقوله:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:٥٩] ؛ لأنه توحيد عملي وأفعال مشاهدة، وأما توحيد الربوبية فالغالب أنه اعتقادي وقد يكون خفياً، فإذا كانت الدعوة إلى التوحيد العملي فلابد أن الأدلة عليه واضحة.
يقول: إن كل شيء حاجة الناس إليه شديدة، فالأدلة عليه واضحة، والأدلة على توحيد الإلهية هي أوضح الأدلة، وهي الأدلة الكونية، فالذي كوّن هذا الكون هو الذي يكُون أهلاً للعبادة، يقول ابن كثير لما فسر قوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة:٢١]{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ}[البقرة:٢٢] يقول: الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة، فالأدلة على توحيد العبادة واضحة وظاهرة، يعني أن توحيد الربوبية أقوى دليل وأقوى حجة على وجوب عبادة الله وحده، وظهورها من نواح: أولاً: أنه الخالق المالك المتصرف، فيكون هو المستحق للعبادة.
ثانياً: أنه المنعم، ونعم الله على عباده لا تنقطع، فيستحق أن يعبد وحده.
ثالثاً: أنه يثيب على هذه العبادة أعظم ثواب، ويعاقب على تركها أعظم عقاب، فيستحق العبادة لهذه الأمور، فالعاقل لا يخفى عليه هذا الدليل.