للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الدعاء وإنكار بعض طوائف القدرية له]

مما درسناه في مسائل الاعتقاد مسألة الدعاء، وأن ربنا سبحانه أمر أن ندعوه ووعدنا أن يستجيب لنا، قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} [غافر:٦٠] ، وقال تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] ، وقال تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف:٥٦] ، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف:٥٥] والآيات في أمر الله عباده بأن يدعوه كثيرة.

وقد عرفنا أن الدعاء هو النداء، وأنا إذا قلنا: اللهم اغفر لنا! اللهم أعطنا سؤلنا! فذلك يستدعي نداءً منا لربنا، والمعنى: يا الله! يا ربنا! وهكذا الأدعية التي في القرآن مثل قوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] التقدير: يا ربنا! لا تؤاخذنا.

وقد ذكرنا أن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، وأن كلاً منهما يلزم منه الآخر، فدعاء المسألة يستلزم دعاء العبادة، ودعاء العبادة يتضمن دعاء المسألة، ودعاء العبادة يدخل فيه كل العبادات، فمثلاً: الصلوات دعاء عبادة، والأذكار دعاء عبادة، والقراءة دعاء عبادة، والأوراد دعاء عبادة، والصدقات والصلات والبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما أشبه ذلك من الأعمال الخيرية، وهكذا ترك المنكرات دعاء عبادة كلها، ولكن هي في الحقيقة تتضمن دعاء المسألة، وذلك أن العابد ربه ما قصد إلا المسألة، فكأنه يقول: أقصد من صلاتي الثواب أقصد من صدقتي الثواب أقصد من دعائي ومن ذكري ومن قراءتي الحياة الطيبة، أو كأنه يقول: أصلي لك يا ربي! أو أحج لك يا ربي! لتغفر لي ولترزقني ولتصلح أحوالي، إذاً: فهو داع، إلا أنه في حقيقة أمره يقصد الأجر على هذه العبادات.

وقد ذكرنا أن الاشتغال بالدعاء والذكر يقوم مقام السؤال؛ لأنه ورد في الحديث القدسي أن الله يقول: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) ، ولأجل ذلك وردت أدعية في القرآن لفظها لفظ الدعاء ولكنها ذكر وثناء، مثل قول الله تعالى في سورة آل عمران {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:٢٦-٢٧] هذه الآيات ليس فيها سؤال، إنما فيها مجرد الثناء على الله، ولكن هذا الثناء يستلزم الدعاء.

نقول: هذه هي حقيقة الدعاء، وقد ذكرنا أن المسائل التي تلحق بهذا الكتاب غالباً يكون فيها خلاف مع بعض المبتدعة.