[وجوب الاجتماع على الحق وحرمة التفرق]
قال المصنف رحمه الله: [قوله: (ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة) .
السنة: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة: جماعة المسلمين وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين فاتباعهم هدى وخلافهم ضلال، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:٣١] وقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥] ، وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور:٥٤] ، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣] وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:١٥٩] .
وثبت في السنن الحديث الذي صححه الترمذي عن العرباض بن سارية قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) ] .
يحث دين الإسلام على التمسك بالسنة، ويحث على الاجتماع على العقيدة السلفية، وينهى عن التفرق والتعادي والتقاطع، ويأمر بالتمسك بالصراط المستقيم، والأدلة على ذلك واضحة ظاهرة، ومنها قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:١٥٣] فأمر بالاتباع، وأمر بالتمسك بالصراط المستقيم، وهو الذي أمرنا الله تعالى بأن ندعو به في صلاتنا بقولنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦] ، وهو الطريق الذي سارت عليه الأمة الإسلامية، ونهجه أهل السنة، يأمر الله تعالى بالسير عليه، وبالتمسك به غاية التمسك، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك به أشد ما يكون، وبالعض عليه بالنواجذ، التي هي أقاصي الأسنان، ولا شك أن ذلك كله دليل على أهمية السير على هذا الصراط السوي.
وينهى الإسلام عن التفرق والاختلاف؛ وذلك لأن في الاختلاف عداوة، فمتى اختلفت وجهة المسلمين فكانت طائفة تذهب إلى هذا، وطائفة تذهب إلى ذاك، وهذه تضلل الأخرى، وهذه تبدع هذه، ولم يكونوا مجتمعين على الحق، ولم يحصل بينهم التعاون على البر والتقوى؛ خيف عليهم أن يتسلط عليهم عدوهم، ويتغلب عليهم، فلا يقاومونه لاختلاف وجهاتهم، ولاختلاف أنظارهم.
والله تعالى قد نهى عن التفرق في مواضع كثيرة من كتابه، يقول الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:١٠٥] ، ويقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] ، وينهى أيضاً عن الاختلاف كما في قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران:١٠٥] ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:١٥٩] ، (شيعاً) يعني: أحزاباً، الشيع هو أن كلاً يذهب إلى رأي يتشيع له، يعني: يتعصب له.
وبكل حال فإذا عرفنا أن الإسلام يأمر بالاجتماع، فهذا الاجتماع لابد أن يكون على السنة، وأن يكون على الصراط السوي وعلى الطريق المستقيم، أما إذا كان المجتمعون قد اجتمعوا على ضلالة، اجتمعوا على بدعة، فإن اجتماعهم لا قيمة له؛ وذلك لأنهم تركوا الحق جانباً، وأعرضوا عن صراط الله الذي أمر بالتمسك به وبسؤاله، وهو الذي سارت عليه الأمة الإسلامية، وهو صراط المنعم عليهم الذين قال الله فيهم: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:٦٩] .
وكثيراً ما تأتي الأدلة في الحث على الجماعة، وكثيراً ما نسمع الخطباء يحثون على الجماعة، ويقولون: عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، أو فإن يد الله على الجماعة، والمراد بالجماعة هنا: جماعة الإسلام، الذين يجتمعون على قول صحيح سليم، ليس فيه خطأ ولا خلل، هؤلاء هم الجماعة، وجاءت الأحاديث تقول: (عليكم بالجماعة، (إياكم والفرقة) ، (اجتمعوا على الحق ولا تفرقوا) ، (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ففيها حث المسلمين على أن يسيروا جميعاً، وأن الذي يشذ منهم فإنه إلى الهلاك، وتخطفه الشياطين، فيصير من نصيبها، كما أن الغنم إذا كانت مجتمعة فإن الراعي يراقبها ويرعاها، فإذا انفردت واحدة منها، وكانت بعيدة، وغفل عنها، جاء السبع فأكلها، فكذلك جماعة المسلمين.