يذكر الشارح أن أول واجب على المكلف أن يأتي بالشهادتين، ولهذا الرسول عليه الصلاة والسلام مكث بمكة عشر سنين لا يدعو إلا إلى الشهادتين، يدعو إلى تحقيق لا إله إلا الله وإلى تصديقه أنه رسول من الله، عشر سنين وهو لا يدعو إلا إلى توحيد العبادة، أليس ذلك دليل أهميته؟ ما فرضت عليه العبادات حينئذ؛ لأنها متفرعة عن أصل وهو التوحيد، فالعبادات كلها ما تقبل إلا بهذا الأصل، فلو تعبد المشركون فصلوا وتصدقوا وحجوا وأنفقوا وجاهدوا وقرؤوا وهم لم يوحدوا الله بل يدعون غيره معه ما قُبلت منهم عباداتهم ولن تنفعهم؛ لأنهم فقدوا شرطها.
وأهل الكلام الذين نهى علماؤنا عن الخوض في كلامهم من المعتزلة ونحوهم يقولون: إن أول واجب النظر.
وبعضهم يقول: أول واجب قصد النظر.
وبعضهم يقول: أول واجب الشك.
وهذه أقوال باطلة، فصحيح أن الله تعالى أمرنا بالنظر لأجل الاعتبار، والآيات في ذلك كثيرة، كقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ}[ق:٦]{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ}[الغاشية:١٧-١٨] ، {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الأعراف:١٨٥] ، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}[يوسف:١٠٩] فالنظر هنا لأجل الاقتناع، فمثلاً: إذا دعوت مسلماً وقلت له: أدعوك إلى الشهادتين.
فإذا توقف فادعه إلى النظر، قل له: انظر إلى هذه المخلوقات، انظر إلى هذه الأفلاك الثابتة وهذه الأفلاك الجارية وهذه المخلوقات المنبثة، هل خلقت عبثاً؟ انظر إلى نفسك وتقلب أحوالك، هل خلقت من غير خالق؟ فإذا نظر وتفكر فإنه عند ذلك يعتبر ويرجع إلى ما تدعوه إليه، فالنظر والقصد إلى النظر وسيلة ودلالة وحجة للمعاند، لا أن أول واجب هو النظر، بل يدعى من شك وتوقف إلى أن ينظر حتى يستيقن.
وأما معنى قولهم: إن أول واجب الشك فهم يقولون: إن أول ما يجب على الإنسان عندما يعقل أن يشك ثم يعمل بعد ذلك في إزالة ذلك الشك.
وهذا قول باطل، بل الواجب أولاً قبل كل شيء أن يأتي بالشهادتين، ثم بعد ذلك يعمل بمقتضاهما، والأعمال متفرعة عن الشهادتين.