سبق الكلام حول النهي عن علم الكلام الذي اشتغل به المتكلمون، ومنه قول الشافعي رحمه الله: حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد والنعال، وأن يُطاف بهم في العشائر والقبائل، يقال: هذا جزاء من ترك كتاب الله وأقبل على الكلام.
وذلك أيضاً قبل أن يشتهر علم الكلام، وقبل أن يتولد فيه ما تولَّد.
وقد مرَّ بنا ما تكلم فيه بعض العلماء وبيَّنوا أضراره ومفاسده، وأنه مبني على الجدل، وأن أكثر ما فيه كلمات مولَّدة مفروضة لا أهمية لها ولا حقيقة لها، كلٌّ مِن أهلها يدلي بشبهة ثم ينقضها الثاني بمثلها أو بأقوى منها، وهكذا فلا تثبت لأنها حجة كلامية.
وقد وضعوا في ذلك كتباً موسعة، ومن أوسعها كتابٌ للقاضي عبد الجبار المعتزلي اسمه (المغني) طُبع طبعةً جديدة في أربعة عشر مجلداً كله كلام وكله جدل، وكله توليدات لتلك الشبه التي هي شبه المعتزلة التي اعتمدوها في نفي الصفات، ووسعوا بها دائرة الكلام وشغلوا بها أوقات الناس وأضاعوا بها فراغهم، ونهايتهم عدم المعرفة، فلا يثبتون على حجة ثابتة مستمرة.
فلذلك ينهى علماء الإسلام عن قراءة كتبهم، فـ ابن القيم عندما ذكر بعض كتبهم قال: فانظر ترى لكن نرى لك تركها حذراً عليك مصائد الشيطانِ يقول: نختار لك تركها، فكتبهم متهافتة، وكتب أهل الكلام ينقض بعضُها بعضاً، وإن أردت فانظر إليها، ولكنا ننصحك ألَّا تقرأها وألَّا تقرب منها حذراً عليك أن تتبع وأن يقع لقلبك شيء من الزيغ، أو تعلق بقلبك شبهة من تلك الشبهات، فيصعب عليك بعد ذلك التخلص منها.
هذا خلاصة الكلام في النهي عن هذا الجدل عن تلك الخصومات التي يتنازع أهلها، فيثبت قومٌ شبهةً وينفيها آخرون ويبطلونها، بل الشخص الواحد يثبت شيئاً ثم ينتقض وينفيه، بل يعترضون عليه باعتراضات وبتوليدات يتضح منها أنه لا حقيقة لما يقولونه ولما يعتقدونه.