نحمد الله أن جعلنا مسلمين، ونحمد الله أن جعلنا سنيين، ونحمد الله أن جعلنا متمسكين بالهدي النبوي، متمسكين بسنة خير المرسلين، متبعين للصحابة أجمعين، مترضين عنهم وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، مترضين عن أئمة المسلمين، عارفين لحقهم وعارفين لقدرهم، مخالفين لأهل البدع والمحدثات، وهذه بلا شك نعمة عظيمة ومنة جسيمة حيث أنقذنا الله من تلك البدع، وأنقذنا من تلك الخرافات، وأنقذنا من أولئك المبتدعة الذين رأوا الحق فتركوه، وزين لهم الباطل فاتبعوه، وقامت عليهم حجة الله، ولكنهم أصروا وعاندوا على المخالفة.
في القرون السابقة قد يكون الشيعة والرافضة معذورين؛ حيث إنهم لم يطلعوا على سير الصحابة، ولم تنتشر كتب السلف، ولم تشتهر الأحاديث التي فيها؛ وذلك لكونها مخطوطة في المكتبات الكبيرة ولا يمكن انتشارها، وهم لا يألفونها، ولا يقصدون تلك المكتبات، ولا ينتقون تلك الكتب وإنما ينتقون ما يناسبهم من مؤلفات مشايخهم، ولكن في هذه الأزمنة بلا شك أنها قد قامت عليهم الحجة، وظهر الحق واستبان، ولكنهم عاندوا وأصروا واستكبروا عن الحق، فلا عذر لهم، فقد انتشرت كتب السلف وكتب السنة وكتب السيرة بعدما كان لا يوجد منها إلا كتاب أو كتابان أو نسخة أو نسختان، صار يوجد منها الآن مئات وألوف وعشرات الألوف، وفي إمكانهم أن يقرءوها، بل وقرءوها، ولكنهم أصروا واستكبروا.
كذلك في هذه الأزمنة أيضاً وجدت الأشرطة التي فيها سيرة السلف وهم يسمعونها ويقتنونها، ولكنهم أصروا واستكبروا على العناد وعلى البدعة الشنيعة.
كذلك أيضاً تنشر سير السلف وسير الصحابة ومآثرهم وفضائلهم في الكتب، وتنشر في الصحف اليومية، وتنشر في المجلات الأسبوعية أو المجلات الشهرية التي هي دائماً منتشرة تذاع علناً، ولا شك أن أولئك الشيعة يتمكنون من قراءتها والاطلاع عليها ولابد، ولكنهم مع ذلك كله بعد قيام الحجة عليهم أصروا واستكبروا استكباراً.
وكذلك أيضاً بلا شك أنهم يسمعون إذاعات أهل السنة في كل مكان وفي كل جهة، الذين يترضون عن الصحابة وينشرون سيرهم، وينشرون أخبارهم وجهدهم وجهادهم، فلا شك أنهم قد سمعوا ذلك ويسمعونه، ولكنهم مع ذلك أصروا واستكبروا استكباراً.
كذلك أيضاً مع وجود المناهج الدراسية التي تدرس فيها سير الصحابة وسير السلف وأحوالهم، وكتب الأدب، وكتب التاريخ في المعاهد العلمية، وفي المدارس المتوسطة والثانوية، وفي الجامعات الإسلامية، لا شك أنها تدرس وأن الشيعة يدرسونها, ويقرءونها، وقد عرفوا صحة ما فيها وثبوته؛ حيث إنه يعتمد على الدليل وعلى النقل الصحيح، ولكنهم مع ذلك كله أصروا واستكبروا استكباراً.
إذاً: فقد قامت عليهم الحجة، فليسوا كعلمائهم الأولين الذين لم يتمكنوا مما تمكن منه هؤلاء، هذا بالنسبة للرافضة.
أما بالنسبة لأهل السنة فإنهم كانوا قديماً لا يتمكنون من قراءة كتبهم، ولا يطلعون عليها، بل الرافضة بأنفسهم يخفون كتبهم وعقائدهم ويسرونها، ولا يمكنون أحداً من قراءتها؛ وذلك لما فيها من الفضائح، ولما فيها من الأخطاء الفاحشة، ولما فيها من الحمل على الصحابة، ومن التأويلات البعيدة، ولكن في هذه الأزمنة لم يقدروا على إخفائها، بل طبعت تفاسيرهم، وطبعت كتبهم، واطلع عليها أهل السنة، فرأوا فيها الفضائح، ونقلوا ما نقلوا منها، وجعلوه حجة عليهم، وردوا عليهم الردود الواضحة من كتبهم أنفسهم، وقالوا: قلتم في كتابكم الفلاني في صفحة كذا من جزء كذا، وقلتم في كتابكم كذا وكذا، وكلها أشياء واقعية، لكنها تأويلات بعيدة، وتحريفات للكلم عن مواضعه، وأكاذيب وترهات يقولونها بغير حق، ويجعلونها شبه أدلة وهي في الحقيقة خرافات لا أصل لها، وقد اتضح كذبها، واتضح بعدها، واتضح لكل عاقل أنها بعيدة عن الصواب، فبان بذلك كذبهم، وبان بذلك فشلهم، واطلع العلماء على أسرارهم، وردوا عليهم من مؤلفاتهم، ولكنهم مع ذلك كله أصروا واستكبروا.