للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مثال التركيب وبعده]

وسبق من أمثلة ما تكلم به المتكلمون كلامهم في التركيب وفي العَرَض وفي الجوهر وفي الحيز وفي الجهة وفي الأبعاض وفي الأعضاء ونحو ذلك، فيقولون: إن الله منزه عن التركيب، ومنزه عن الجسم، وعن الجوهر، وعن العَرَض، وعن البعض، وعن الجهة، وعن الحيز وما أشبه ذلك.

فيقولون: ننزه الله تعالى عن ذلك، ثم يشرحون هذه الكلمات ويتوسعون فيها، وسبق ما نقله عنهم الشارح في معنى التركيب.

ولا شك أن هذه الكلمة بدعية لم يتكلم بها السلف، واصطلاحاتهم هذه حيث جعلوا لها ستة معانٍ كما سمعنا، آخرها قولهم: التركيب هو التركيب من الصفات والذات، وأرادوا أن الله تعالى ليس له صفات، قيل: إذا إن الله ليس بمركب.

وقد بين العلماء رحمهم الله أن إثبات الصفات لله إثبات وجود لا إثبات تحديد، كما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تحديد، ولا إثبات تكييف، وذلك لعجز البشر وقصورهم عن أن يصلوا بمعارفهم إلى تحديد الصفات وإلى تكييفها، وقد ذكروا أن علم الصفات ملحق بعلم الذات يحذو حذوه ويسير على مثاله، فإذا كنا نثبت لله تعالى ذاتاً ولا نكيفها فهكذا نثبت له صفاتاً ولا نكيفها.

وكثير من السلف يقولون في الصفات: أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف.

وفي الأثر المشهور عن مالك بن أنس رحمه الله قوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول.

وفي أثر عن شيخه ربيعة قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول.

يعني: لا تصله العقول، له كيفية ولكنها محجوبة عنا، فنؤمن به ونتوقف عن تلك الكيفية.

وإذا سأل سائل وقال: ما كيفية الاستواء؟ قلنا: الكيف مجهول.

فإثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات تكييف ولا إثبات تمثيل.

فهؤلاء الذين يقولون: إن الله تعالى غير مركب ثم يريدون بالتركيب التركيب من الصفات والذات يريدون بذلك نفي الصفات.

فيقال لهم: أنتم تثبتون الذات، فهل لها كيفية؟ فإذا قالوا: لا يعلم كيفية الذات إلا الله.

قلنا: كذلك الصفات لا يعلم كيفيتها إلا الله تعالى.

فالحاصل: أن كلامهم في التركيب وأنه الأقسام الستة التي سبقت لا يحتاج إلى البحث فيه، بل هو من علم الكلام، إنما أورده الشارح ليبين تهافتهم، وليبين أنهم خاضوا في شيء لا فائدة فيه ولا حاصل له.

وهذه التركيبات للأقسام الستة القصد منها هو القسم السادس كما سمعنا، وفي الأقسام الأولى من جملة ما ولَّدوه أن قالوا: التركيب من الأعضاء، والتركيب من الصورة والهيولي، ونحو ذلك، قالوا ذلك بالتتبُّع أو بعلم الكلام الذي ولَّدوه.

فنقول: لا يجوز الخوض في مثل هذا، بل يقال: الله منزه عن النقائص وموصوف بصفات الكمال.